أواصل في حلقة أخرى من حلقات خواطري حول رحلتي الأخيرة لتركيا، [الحلقة الأولى] لأتطرق لجوانب أخرى من الحدث، ومباشرة أصف الأجواء التنظيمية السلسة التي تدل على خبرة كبيرة من المنظمين في هذا المجال، ولعل الإشارة الأبرز هي أني لم ألتق الكثير من الأشخاص الذين يحملون شارة تبين على أنهم من فريق التنظيم كما جرت العادة، على الرغم من كبر مساحة العمل، وحجم الفعالية التي يشرفون عليها، فكل الأمور مرت بهدوء.
ملمح آخر شد انتباهي هو قوة التجهيزات التقنية المستخدمة في التصوير والتسجيل الصوتي، فلا توجد هناك أنصاف الحلول، وإنما إتقان ودقة في استثمار التقنية المتاحة، خاصة في لحظة عرض فيلم افتتاحي عن فكرة MÜSİAD وأهدافها وآفاقها بجودة رائعة جدا، أدخلت الجميع في جو المؤتمر وأعطت انطباعا بأن القادم بعدها أجمل وأقوى.
وعن تنظيم الجلوس في القاعة فكانت هناك عدة مناطق حسب درجة المدعوين، فللسلطات والهيئات الحكومية مكانها الخاص، وللرعاة والشخصيات الخاصة VIP مساحتها، والباقي لعموم الحاضرين والمشاركين، فالقاعة بشكلها التصاعدي الدائري في صفوفها سهلت من متابعة الحدث من أي زاوية كانت، بفضل الشاشة التي تعرض المحاضر أو المتدخل، وحتى الإضاءة المدروسة بدقة ساهمت بشكل كبير في التركيز والاستيعاب.
من اللطائف والأفكار الذكية في هذا المؤتمر هدايا الوزراء وأعضاء الحكومة الذين شرفوا بكلماتهم ومداخلاتهم، فزيادة على كونها في القمة من حيث المحتوى وطريقة الإلقاء مما أضفت للقاعة جوا من الحماسة الحقيقية المبنية على فعل في أرض الواقع، ليأتي بعدها المنظمون في لحظات التكريم فيبهرونا بفكرة رائعة تتمثل في تكريمهم بغرس 50 شجرة لكل واحد منهم، فكانت الجائزة تشريفا للوزير وأثرا وفعلا في أرض الواقع، مما يجعلنا أمام قادة للفعل حقا لا للكلام واستغلال المناصب للحظوات والغنائم فقط!
إضافة لهذا ففي مداخلة مدير منظمة شباب موسياد Genç MÜSİAD فاروق أقبل Faruk Akbal، المليئة بالمعاني الإيمانية العميقة، ولعل أجملها حين قال إننا نؤمن بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، فخاض في أعماق الآيات واستخلص منها عبرا وجواهر زاوج بينها وبين شعار المؤتمر ومحوره الرئيس وهو :الرزق والمخاطرة في عالم الأعمال” مبينا معنى البركة التي تكون طيّ المخاطرة المبنية على أسباب حقيقية وتوكل على الله عز وجل.
ففي الحقيقة ولقلّة حضوري مجالس بهذا الرقي في المستوى شكلا ومضمونا، رأيت وعشت فيها ربطا ذكيا سلسا بين الدنيا والآخرة دون إغراق أو تمييع لأي طرف على حساب الآخر، وهذه رسالة لمن يستغني أو يضحي بجانب على حساب الآخر وكأنها حتمية وقدر لا مفر منه.
ولمن يسأل عن المغزى من هذه المنظمة فقد تأسست من عدة سنوات مضت وهدفها ودورها الأساس هو التدريب والتكوين على الاستثمار، بإبراز النماذج الناجحة وتثمين المبادرات الواعدة، إذ تعتبر موسياد ملتقى المغامرين بعلم في عالم الأعمال، من همّه رفع راية وطنه وتشريف دينه ومرجعيته بالتمكين عمقا في الجذور وصرحا في القمم والآفاق.
وفي هذا الإطار أتناول مثالا لرفع الهمّة من مدير شباب موسياد الشاب فاروق أقبل، حين ركز بكل ثقة واعتزاز في آخر المداخلة على أن “على شعب تركيا مسؤولية عظيمة للعالم وليس لتركيا فقط، كما أن لدينا أهدافا دقيقة للمستقبل نمكّن فيها الشباب من معاني الحرية والبذل والعطاء، فلم يخلقنا الله لأنفسنا وإنما للآخر، وهذا الآخر في أشد الحاجة لنا”.
المعاني كثيرة في كل مداخلة مما جرى هناك في المؤتمر، نستثمرها ميدانيا ما استطعنا وهذا هو أقصى الاستفادة من أمثال هذه الفعاليات الرفيعة المستوى، موعدي بكم في المقالة المقبلة، تقبلوا تحياتي.