زرت هذه المرة بلدا كنت أسمع عنه غير ما وجدته فيه وهذا حال الكثير من البلدان، لم تكن فكرة زيارتي للمغرب ضمن مخططي القريب، لكنها كانت فعلا أمنية ضمن عديد الأمنيات، وإيمانا بأن ما تركز عليه تحصل عليه صار الحلم حقيقة بمناسبة علمية مميزة كنت محظوظا بمشاركتي فيها.
تمت الإجراءات المطلوبة للسفر وجاء اليوم الموعود لأجدني مقدما على مغامرة شيقة، فغادرت أرض الوطن ظهرا من مطار العاصمة في الجزائر على متن الخطوط الملكية المغربية، واختياري لتلك الخطوط كان أساسا بهدف خوض تجربة جديدة، وهذا منهجي في الأسفار.
كالعادة فقد كانت الطائرة مليئة بالمبتسمين، المتّسمين بجميل الأخلاق والصفات لا لشيء سوى لكونهم جميعا على إدراك تام بأن الرحلة محددة بزمن، وحسن الصحبة فيها أمر مطلوب ومحبب، ويا ليتنا وعينا هذا المفهوم في حياتنا عامة، وما الحياة إلا رحلة عبر الزمن محددة ومنتهية سلفا.
وصلت مطار الدار البيضاء بالمغرب وفي أول نظراتي من نافذة الطائرة شككت لأول وهلة أني غادرت الدار البيضاء الجزائرية، التضاريس نفسها، والبنية الطبيعية كذلك، أما خارج الطائرة فالجو لطيف مثل ما تركته في بلدي أيضا، إذن هي أولى مؤشرات التلاحم والتجانس بين بلدين شقيقين باعدت السياسة الضيقة بينهما.
أذكر أنه كان أمامي في طابور المصادقة على الجوازت زوجان في الستين أو السبعين من العمر فالرجل جزائري وزوجته مغربية، وحينما أشار لي الرجل بابتسامة وأظهر لي جوازي السفر بنظرة تجمع بين ابتسامة رقيقة تختصر كل مشاعر الأسى والأسف من هذه التفرقة والحواجز الوهمية بين العائلة الواحدة.
مرت لحظات المطار بسيطة سلسة، ولعل أبرزها تحية شرطي الجوازات حين سلّم لي الجواز وقال: مرحبا بك في المغرب، وأتمنى لك وقتا ممتعا، بلهجته المغربية المحبوبة اللطيفة، واصلت بعدها مباشرة لمحطة القطار الموجودة داخل المطار متخذا وجهة العاصمة الرباط، وفي كل مرة أجدني متأملا لتلك البساطة في التعامل بشعور غريب كأني بي لم أترك أرض الوطن أصلا !
في القطار يسّر الله لي رفقة طيبة، إذ التقيت شابا ممتلئا تواضعا وحياء، وكانت بداية الحديث معه كأي موقف مشابه بسؤال عن وجهة القطار للتأكد، ثم بعدها تتالت الأسئلة وتبادلناها لتصبح حوارا شيقا رافقنا طيلة مشوارنا إلى الرباط.
تحدثنا عن المغرب وعن الجزائر، وتبادلنا همومنا وتناولنا أكثر من موضوع، خاصة مع تخصّصه وعمقه، فقد كان مرافقي أستاذا مساعدا وطالبا في مرحلة الدكتوراه ببلجيكا، فكانت فرصة طيبة جدا معه، وبينما قد سار الزمن سريعا إذا بنا ندخل في محطة الرباط المدينة.
طيلة الطريق كان هناك الصديق اللطيف الطيب جدا فؤاد في الانتظار جزاه الله كل خير فقد غمرني بإحسانه، وجعلني في حرج شديد من تلك المكانة التي رفعني إليها، إذ كنت في ضيافته منذ الوصول إلى يوم الغد في نفس الوقت حينما بدأ برنامج الجامعة الصيفية الذي أتيت لأجله، والذي تجري فعالياته في ضاية الرومي إحدى ضواحي مدينة الخميسات.
حينما دخلت الرباط أحسست بقرب أكبر، فرأيت في كل زاوية مما رأيت أصالة وعراقة، فعفوية ناسها وابتسامتهم فنّدت لدي تلك الصورة النمطية السائدة من أننا لا نواجه ابتسامة غيرنا إلا في العصر الذهبي للإسلام مما قرأنا في قصص السيرة أو في العالم المتقدم غربا وشرقا، وعيانا شهدت أن أهل المغرب والابتسامة وجهان لعملة واحدة، وفي هذا الإطار سأكتب لاحقا بتفصيل أكثر، فحقا وجدت كثيرا من المفارقات هناك مما يستوجب التوقف والتأمل.
طفت أرجاء الرباط بقية ذلك اليوم مع الحبيب فؤاد، ويوم الغد أيضا، فكانت طلباتي له لا تنتهي، وأهمها أن أزور المدينة القديمة كالأوداية وباب الأحد وبرج حسّان، وسلا ونهر أبو رقراق… إلخ، وكل ما له صلة بالمغرب العريق، فكان لي ذلك، كجزء أول في حين لدي الفرصة لأكمل جزءا آخر لاحقا في إطار الجامعة الصيفية.
أتوقف هنا وسأواصل في أهم خواطر ومحطات الرحلة العلمية في أجزاء مقبلة… فتابعوني!
Comments (12)
اهلا وسهلا بك في المغرب
شكرا لك، تشرفت بحسن الاستقبال من أبناء بلدكم الرائع 🙂
السلام عليك أخي العزيز
فعلا ليست كل العيون ولا العقول ولا الأفئدة ترى أو تدرك وتعي بنفس الطريقة.
فقد وفقت في استثمار رحلتك إلى أبعد الحدود، وهذا يعود لرفعة وعيكم وسعة أفقكم وصفاء سريرتكم من كل تراكمات الحياة، والصحافة، والسياسة، التاريخ، ………
فالإنسان الواعي الحصيف هو من يُعمِل عقلَه ودينَه وثقافتَه و معارفَه ليبني أحكاما وقيما وتصرفاتٍ على ضوئها ومنهجها. لا أن يكون مجرد فضاء فارغٍ مرجعٍ للصدى، تذروه الرياح حيث تميل. فلا يفيد ولا يستفيد.
مباركة عليكم الرحلة وطوبى لكم بكل ما حظيتم، وقد أفلح من قال ” في سعة الأخلاق سعة الأرزاق”.
وعليكم السلام أخي العزيز الغالي…
فالإنسان الواعي الحصيف هو من يُعمِل عقلَه ودينَه وثقافتَه و معارفَه ليبني أحكاما وقيما وتصرفاتٍ على ضوئها ومنهجها. لا أن يكون مجرد فضاء فارغٍ مرجعٍ للصدى، تذروه الرياح حيث تميل. فلا يفيد ولا يستفيد.
كفيت ووفيت… ومنكم نستفيد أستاذي 🙂
حقا بلاد المغرب جد رائعة ترى فيها المفارقات الايجابية والسلبية لكنها كلها ترسم حالة من الديناميكية وتبرز الادوار المتكاملة لكل أطياف المحتمع….
صحيح، ففي الكثير ما يجب أن يثمن، وغيره مما يوجد في كل بلاد الأرض، الذكي منا من استثمر ملاحظاته وتأملاته في تحسين أدائه والاعتبار مما يجب الاستفادة منه، دمت بود 🙂
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
_ جميل سفر ترحب به ابتسامات المطار و ابتسامات سكان أرض المطار ………….جميل المغرب إذن ؟
_ رجاءٌ بأن يحضى الهدف من وراء الرّحلة بما حضيت به … أن يحضى بكثير من الأعمال و الانجازات الباسمة . دمتم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرا لك على تعقيبك، أدعو الله أن يوفقنا لخير القول وخير العمل، شكرا 🙂
كان شرف لي إستقبالك أخي جابر 🙂
أنا الذي تشرفت عزيزي فؤاد… جزاك الله كل خير
قل سيروا في الأرض فانظروا… هذا أمر من الله استجبت له بني العزيز لتطلع على ما خلق الله في الكون فطوبى لك وحسن مآب. وزياريك للمغرب هو من حقوق صلة الأرحام وحسن الجوار. زادك الله من فضله ورفع ذكرك لتسمو أعلى المراتب بعيدا عن التشنجات السياسية والحزازات الضيقة. فالإحسان والتواضع والقلب السليم والأخلاق العالية تفتح لك أبواب الخير أينما حللت وحيثما ارتحلت. فصعدا نحو العلا والسؤدد يا ولدي العزيز.
وإذا العناية لاحظتك عيونها سر فالمخاوف كلّهنّ أمان….
اهلا وسهلا بك في المغرب اتمنى لك الاستمتاع