الرياضة أمر مفيد ومطلوب ممارسة واهتماما قضية لا غبار عليها لدى الشباب، فلا نكاد نحصي شخصا في من حولنا لا يملك رصيدا ولو بسيطا كثقافة رياضية كما توصف، وبوجه الخصوص كرة القدم التي سحرت العقول وأصبحت في عصرنا هذا أكثر من مجرد جلد منفوخ ينطّ هنا وهناك.

نسمع ونقرأ كثيرا هذه العبارة ونكرّرها نحن بالتبع، منا من يعرف مغزاها ومنا من لا يعدو كلامه تقليدا أو ركوبا للموجة حتى لا يظهر بمظهر الجاهل لعصره أو المتخلف عن ركب أقرانه، فَكرة القدم تجارة واقتصاد بكل ما تعني الكلمة من معاني، مما أدى إلى تحوّل النوادي الرياضية في عصر الاحتراف من جمعيات بسيطة هدفها الأسمى توجيه الشباب وإشغال فراغهم وتنمية مهاراتهم، إلى شركات اقتصادية بشتى الصيغ، وصار نجومها من لاعبين أو مدربين جزءا لا يتجزأ من ارتفاع أسهمها أو انخفاضها.

كلنا يعلم قصة اللاعب الذي اشترى عقده نادي عريق بمبلغ خيالي أثار الجدل في الأوساط الإعلامية، وكان موضع استغراب ممن هو مثلي بعيد عن ما يحصل هناك، إلا أن الخبر الأغرب هو أن ذلك النادي قد استرجع كل ما أنفقه وزيادة فقط من مبيعات قميصه الذي يحمل اسمه، دون أن نحسب حقوق الإشهار والرعاية قبل أن نصل للعبه وتحقيقه للإنجازات والألقاب، هذا الأمر تكرر مع لاعبين آخرين في نوادي مختلفة، مما يعطينا صورة واضحة عن المستوى الذي وصلت إليه الأمور بعدما كانت مجرد مباراة كرة قدم لمدة 90 دقيقة.

هذه الهالة جعلت المفاهيم تتغير كثيرا وتتطور، فقد دخلت المباريات العالمية أغلب البيوت حاليا بفضل الفضائيات وجودة التغطيات، حتى أصبح الطفل الصغير يفقه في الخطط التكتيكية، ويوجه وصفاته السحرية للفوز بهذه المباراة أو تلك، يتقن جيدا عبارات كـ: الكلاسيكو، السبيشل وان، البيرنابيو، وغيرها… حتى أني أذكر رغم ادعائي لمعرفة قواعد الكرة أني لم أفهم قانون التسلل إلا عندما كان عمري 16 عاما ربما!

لن أستغرق كثيرا في وصف عالم كرة القدم كوني أخاطب شبابا يفقه فيها أكثر مني، فعودة للموضوع الأصل وهو انتشار ظاهرة ارتداء أقمصة اللاعبين المتألقين عالميا من شباب بمختلف الأعمار والمستويات، فغزت كل الأوساط انطلاقا من الملاعب -وهو مكانها في الأصل- إلى الشوارع والأسواق وصولا إلى المدارس وحتى المساجد!

هنا يكمن الإشكال في رأيي، فلكل مقام مقال كما نقول، وإن كنا نتقبل منطقيا أن ترتدي قميص لاعبك المفضل في الملعب وتلعب به رغم أن ذلك لا يزيد في مستوى مداعبتك للكرة إطلاقا، فلا يكفي أن تلبس قميص الهادئ الموهوب مسعود أوزيل حتى تكون مثله رزانة ومراوغات، ولا حتى قميص كاسياس لتكون حارسا بارعا! إلا أنه لا يعقل أن تدخل بقميصك للمسجد وتصلي به لله، خاصة أن المكتوب خلف ظهرك لا يفعل ذلك.

يقال إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، فتشجيعنا لناد على حساب آخر وإعجابنا بطريقة لعب لاعب معين أو أكثر، لا يجب أن يتخطاه للتقليد والتعلّق بل وحتى العبادة بأشكال لا نقدّر معناها ولكن نفعلها، فصار البعض محيطا بكل حيثيات حياة لاعبه المفضل بتفاصيل وجباته اليومية وحتى مقاسات حذائه وجواربه ومواعيد نومه واستيقاظه.

ساءني جدا ما رأيت خلال التألق المؤقت لمنتخبنا الوطني، قبل عامين تقريبا، من تقليعات غريبة للاعبين يحملون قميص المنتخب ويعتبرون أنفسهم في مهمة وطنية فيها يمثل كل شخص ثقافة بلده وعراقته وتاريخه في أكبر محفل عالمي رياضي، غير مقدّر للمكانة التي هو فيها كي يستثمرها إيجابيا، إلا أننا رأينا عقليات أوروبية في الشًّعر فقط وياليتها كانت في الأقدام والذهنيات (مع احترامي للبعض منهم) بعدها انجرّ الشباب والأطفال خلف تلك الموجة، والأدهى والأمر أنها كانت بمباركة أوليائهم أو على الأقل صُمتهم، حتى ذهب بعض الحلّاقين لأكثر من ذلك وعلّقوا قائمة جديدة كعرض خاص للأسعار تتضمن اسم اللاعب والسعر أمامه، على شكل: يبدا …………… 450دج، زياني ……….. 350دج وهكذا… لا أدري لحد الآن على أي أساس وضعت تلك الأسعار؟ ربما لعدد الأهداف المسجلة في كل لقاء؟ من يدري!

وما زاد الطين بلة من تصرفات ومشاهد حتى في مساجدنا، فلا تتعجب إن دخلت يوما لتصلي فتتشرف بوجود كاكا وديماريا عن يمينك، ورونالدو البرازيلي جنبا إلى جنب مع البرتغالي وميسي وإنييستا (بكل روح رياضية!) يركعون ويسجدون، هكذا حتى الصلاة لم تسلم من ارتداء تلك الأسماء، فالقميص الذي يكون أحيانا بألوان فاقعة أو إشهارا لشركات قمار أو خمور أو شعارات تتضمن رمز الصليب واضحا، دون أن نلومهم فهذه ثقافتهم وذلك دينهم ولهم كل الحق في الاعتزاز والفخر بها، العيب فينا نحن من نستهلك وفقط.

وإن كنا نريد أن نلبس أقمصة رياضية فليست هناك مشكلة في اقتناء أقمصة بغير رموز “مخالفة”، وحتى بدون أسماء للخروج من الإشكال مطلقا، لذا أرجو من كل شاب واعي أن ينصح من حوله على الأقل بعدم الصلاة بقميص رياضي يحمل اسم لاعب “غير مسلم” إن سلمنا أن بعض اللاعبين مسلمون أو أسلموا، لأن التدقيق في القضية تخصص أهل الشريعة وليس مجاله هنا، لكني أقصد ما ليس فيه شك، فلنُعمل عقولنا قليلا لنخرج بفكرة واضحة.