حينما نحول أحلامنا وأفكارنا إلى مشاريع ميدانية أول الأمر فإننا نشعر بامتلاك تلك الحماسة في الأداء، فننجز بقوة دافعة نابعة من ذواتنا ورغبتنا في التميز، ومع مرور الوقت تبدو لنا التحديات وتنمو مع نمو حجم المشروع، لنجد أنفسنا غير قادرين أحيانا على الصمود ومجابهة العقبات من جهة، وغير قادرين على التقدم خطوات نوعية للأمام كما الأول من جهة أخرى، فيدب الشك فينا، إن نحن لم نستدرك ونتجاوز المحنة ونجني منها منحا ووقودا للدفع أكثر بجهودنا.

يمكن القول هنا إنه علينا التنبه لأمور هامة لعل أهمها التدرج في توسيع المشروع، وتركه ينمو نموا طبيعيا في ظروفه الخاصة الضرورية لكل مرحلة، كما يجب ألا تأخذنا أحلامنا لنسعى وراءها دون دراسة ودراية، ودون تحليل للأوضاع وإدراك للفرص والتهديدات، فعلينا حينها أن نلتزم المرحلية، ونغض الطرف عن بعض البريق الذي يبدو لنا من هنا أو هناك، مركزين على المكتسبات أولا، نمر بها بمرحلة المختبر أولا، نسقيها جيدا، ونتعهدها بالرعاية إلى أن تصل لتخوض غمار الحياة بكل ظروفها وفق سياق ونظام واضح ودقيق.

كثيرا ما دمّرت مشاريع لجشع أصحابها وتهورهم في التوسع واللهث وراء تنميق وتزيين الواجهة مغفلين العمق والروح، وأي بنيان ارتفع دون أسس متينة فمصيره الحطام ولو بعد حين، وكما نحرص ألا نكون قانعين بما في أيدينا القناعة السلبية، فكذلك علينا ألا نلاحق السراب كل مرة ظنا منا أنه الفلاح والخلاص، المطلوب هو التزام المعقولية في الطموح، واتخاذ الأسباب واحترام منظومتها، فالسنن الكونية تبقى كذلك دون اعتبار للزمان أو المكان.

دع الناس يتحدثون كما شاؤوا، فليس عليك أن تنفذ ما في تصوراتهم هم، بل ما تراه أنت أنسب لك ولهم، ولا أن تبرر كل مرة أفعالك ومخططاتك، بل تلزمك دائرتك الضيقة من فريق عملك في توضيح الرؤية، وتوفير الأسباب لخوض غمار التجربة متسلحين برصيد كاف من الوسائل والمعلومات الموصلة للهدف، اعمل بإخلاص ودعك من كل ما يثبط من عزيمتك ويرجعك لنقطة البداية.

النمو الطبيعي للأفكار الطيبة الأصيلة يصيّر منها مشاريع رائدة بخبرة متجذرة مستمدة لنورها من عمق التجارب حولها، فلنتأمل في المشاريع الناجحة حولنا لنكتشف ذلك السر، وكما قيل: من ذهب سريعا عاد أسرع!

مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا