يحل علينا شهر رمضان الكريم، شهر الخير والبركة والمنافسة في فعل الخيرات وترك المنكرات، حيث تتجلى مظاهره في ما حولنا بصورة واضحة، نغيّر لأجله برامجنا اليومية، ونحتاط فيه لنومنا وراحتنا، نستعد ببرامج تعبّدية طموحة متفائلة داعين من الله التوفيق في أدائها والقبول منا.

في رمضان تصفّد الشياطين، وتفتح أبواب الجنة وتضاعف الحسنات، وفي رمضان يلزم المسلم بالصيام عن الأكل والشرب وبعض مما أحل الله، فضلا عن ما حرّم طبعا، وهذه من الأمور التي لا تخفى على أحد منا، مع ما هناك من تذكير بها في كثير من الوسائل الدعوية والحمد لله.

كما لا ننكر أن اقتراب رمضان ودخوله علينا يجعل بيوتنا تعيش حالة طوارئ بما يخص جانب التسوّق وملء الثلاجات والخزائن، فكما جرت العادة أن نرفع من درجة الاهتمام بنوعية الأكلات، فنخصص لها وقتا أزيد من المعتاد، وبالتبع ميزانية أكبر! مع علمنا في أعماقنا أن هذا مما يخالف فطرتنا وما يجب علينا أن نلتزم به، فكما يتذمر الرجال من الإنفاق المضاعف ماديا، لا ننس ساعات تقضيها المرأة في المطبخ على حساب وِردها من القرآن، ونصيبها من النوافل، وغير من الأعمال التي هي فرصتها لمضاعفة أجرها وثوابها عند الله عز وجل.

كغيري وكضحية لعادات أعايشها، كنت معنيا بما أنكره، إلا أنه من باب التحسين آثرت أن تكون مهمة التسوّق مرة واحدة تقريبا، لتبقى أمور بسيطة أشتريها بين الحين والآخر، فذهبت أحمل قائمة طويلة للمواد المراد شراؤها، واخترت مركزا تجاريا، بترتيب موعد مع مرافقين لهم نفس المهمة.

دخلنا المركز فإذا هو مرتّب جدا، يوحي لك مظهره لأول مرة باستعدادات كبيرة تم القيام بها لاستقبال زبائن رمضان لجعلهم يصرفون ميزانيات ضخمة وبسخاء، فهذه عروض خاصة تسابق لها من تسابق وظفر بها حسب زعمه، وهم ظفروا بجيبه كخدمة متبادلة وكهدف منشود، السوق مكتظة عن آخرها، والسلال مملتئة بشكل غريب، جعلني أتساءل عن مستوى القدرة الشرائية في الجزائر؟ وكأنني بذلك أطمئن وأعتقد أن الناس تعيش في رغد وثراء، وما يزيد من ذلك الاعتقاد أعداد السيارات الفارهة الجديد في أغلبها وبعدد هائل تغمر طوابق المواقف، مما جعلنا في الأخير نجد صعوبة بالغة في الخروج فقضينا وقتا كبيرا في الطابور ونحن من ألفنا حياة الطابور!.

فهنا لست أحسد ذلك المركز التجاري على ما يربح يوميا من عروضه وإغراءاته، كما لا أنكر على الناس ما يصرفون ويقتنون، فالله أعلم مقدار حاجتهم وطريقة تفكيرهم وتسييرهم لأمورهم، ولكن ما يجعل الإنسان يفكّر ويعيد التفكّر أنه هل ذلك الاهتمام بالتسوّق يعادله أو يقرب منه اهتمام بسرّ وروح الشهر الكريم؟ ماذا لو كنا نأتي عباداتنا ونقبل عليها كما نقبل على تلك الرفوف ونفرغها من حمولاتها؟ أليس هنا عروض خاصة مثلما ما هناك؟ ما الذي جعل هؤلاء الناس مستهلكون من الدرجة الأولى، يختارون أكلهم بعناية ويتشاورون في قوائم وجباتهم بدقّة، فيما لا يولون للدين إلا ما تبقّى من وقتهم، وما فاض من جهدهم إن كان هناك فائض؟

ومن باب التخصص فكنت ألاحظ وأحلّل الومضات الإشهارية، والمعلقات واللافتات الإعلانية لشركات تجارية أو قنوات إعلامية، فرأيتها وهي التي تكسب آلاف أو ملايين المتابعين وتسيطر في توجهاتهم وقناعاتهم، رأيتها توهمهم وتبرمجهم على أن شهر رمضان وسيلة إما للأكل والشرب جيدا، أو لمشاهدة المسلسلات وحفظ حلقاتها للمشاركة بها في مسابقاتها الخيالية الخالية، أو مناسبة للضحك والتخلص من أعباء اليوم! أو فرصة للكلام والتواصل من منتصف الليل إلى منتصف النهار مجانا!

إلا من استثناء واحد أو ربما أقول استثناءات من شركات وإن كان همها الربح المادي، فهي تهذب العقول، وتخاطب القلوب أيضا، فما المانع من الجمع بين هذا وذلك؟ فهذه شركة نجمة للاتصالات، حيث أشكرها بوجه عام، وأخص بالذكر من كان صاحب الفكرة، قد أخرجت لنا حملة دعائية محترمة كلها رسائل هادئة عاطفية تلامس شغاف القلوب، جسدتها في موقع رائع، ولافتات دعائية معبّرة.

رمضان مثلما هو فرصة للتسوّق في دنيانا، فهو كذلك لأخرانا، بقراءة القرآن وختمه والتعمق في معانيه، والإحسان لخلق الله، وهو مدرسة لما يجب أن نكون عليه طيلة عامنا وسائر أيامنا، هو شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاللهم اجعلنا من عتقائك من النار.

على الجانب: هذه المقالة قد شاركت بها في مسابقة رمضانية لمجلة Emaj، فاستعنت بالصديق: @Unstoppable_Sam لترجمتها للإنجليزية، وقد نشرت في المجلة بعنوان: Ramadan… Opportunity for shopping! في انتظار نتائج المسابقة.