منذ بداية العام ورغم ظروف كورونا الاستثنائية، وأنا استقبل بشارات خير في إطلاق مشاريع ريادية طموحة، مما جعلني أكتب ثلاث حلقات كاملة حول ميلاد جيل جديد من الشركات التي سيكون لها شأن كبير في المستقبل القريب، وتستحق بجدارة صفة النماذج المرجعية في قادم السنوات وتلهم أجيالا من الشباب وتغدو مثالا ومعيارا، وبين مؤيد ومتحفظ، أتفهم كل الآراء وأعلم يقينا أن وراء كل رأي وزاوية نظر تردني، خلفية وتجربة مسبقة.
أقول هذا لأني من سنوات أحاول اقتناص أي فرصة أجدها للجلوس والإنصات والاعتراف بفضل من سبق بالتجربة في تأسيس مشاريع استثمارية قبل ستين أو خمسين سنة أو تزيد أو تنقص. وقد كانوا حينها شبابا يافعين يفيضون طاقة وطموحا سابقين لزمانهم، غير آبهين بحجم المخاطر التي يركبونها، ولا مبررين لقسوة الظروف، ولا مستسلمين لغياب دعم أو فقدان سند يدفعهم ويفتح لهم الآفاق المسدودة بأغلال من شتى الأسباب والمسببات، وندرة المعلومة وقلة الموارد.
حقيقة أقف عاجزا أمام تلك التحديات وأجدني أقارن باستحياء بين ما قدموا وما نحن كجيل نحاول تحقيقه، لم يكونوا حينها يدعون خبرة لم يمتلكوها، أو يرفعون شعارات لم يتمثلوها حقا وفعلا، لكنهم آمنوا بقدراتهم، واقتحموا مجالات الصناعة الكبرى والخدمات الرائدة بعزيمة قوية وإيمان راسخ والأجمل –فضلا عن ذلك- مبادئ الإعمار والإسهام الاجتماعي، وترك بصمات للأجيال تحذو حذوها وتستنير بها كلما اشتدت الظروف وأظلمت الليالي وتلبدت سماء الأعمال بالغيوم القاتمة.
مع كل هذا أنكر علي من أنكر هذه الإيجابية التي رأوا فيها ربما مبالغة غير منطقية، إلا أني كممارس في الميدان أعتقد ذلك وأكثر، وفي كل استشارة أتلقاها، وعند كل لقاء يجمعني برواد الأعمال بشكل عفوي غالبا وحتى من خلال اجتماعات عمل يتسم بعضها بالتحفيز، ويتطلب بعضها جرعة من التقدير، وفي لقاءات أخرى يحتاج الشاب للتوجيه خاصة عندما يفقد شيئا من شغفه، ويتملكه الشك والتوتر بسبب نقص في النتائج ربما أو تعثر في الأهداف، وأمام كل هذا أجدني في كل مرة أنا المستفيد الأول بما أتعلمه وأكتشف، ولهذا دائما أنصح بالالتفاف حول المبادرات والعمل ضمن سياق خصب محفز، مع الابتعاد عن كل ما يبث مشاعر اليأس والأخبار السلبية.
لم تتوقف عجلة الإبداع يوما، ولم تنقطع خيوط الأمل بقدرة كل جيل على رفع راية زمنه وترك بصماته بما يشرفه، مهما تغيرت ألوان السنوات، وتنوعت نماذج الاستثمار، وتعددت صيغ المشاريع، والحكيم الفطن من استفاد من تاريخه وبادر في حاضره وألهم في مستقبله، بوسائل فعالة حديثة كهذه المنصة، وباستغلال التقنية وتعزيز المبادرات الاجتماعية والحلول الذكية المتاحة بشكل كبير حاليا.
أتفهم كل شاب يتساءل باهتمام عن أهم الأفكار التي ستنقله من دائرته الحالية إلى وضعية مالية مريحة، بأسرع وقت وأبسط طريقة، وربما يعود ذلك لطبيعة إنسان هذا العصر في ميله للتسرع والحلول السريعة القصيرة، وحتى الطرق المختصرة التي بثتها بعض الطروحات في إمكانية تحقيق الكثير بشيء من الإيمان بالهدف والتنفس عميقا، بينما العمل العميق والنفس الطويل هما العملتان النادرتان لبلوغ أفضل المراتب، ومن أدرك هذه النقطة جيدا، وعمل بهدوء عليها سيجتاز عنق الزجاجة مهما طال به الزمن، وسيحقق الفارق ويرتقي بنفسه وفكرته ليصبح نموذجا رائدا كما حلم وأكثر.
رسالتي لكل قارئ مثابر أن يدرك جيدا أن ريادة الأعمال حلول لإشكالات اجتماعية بنكهة اقتصادية، إسهامات إنسانية بوسائل تقنية، مغامرات ذهنية بآثار ميدانية، هي ميدان اجتهاد لمن امتلك مفاتيحها وأدرك المعنى بأن الحياة إما جرأة وتحدي.. وإما لا شيء!