كل زائر لقطر، وبالذات الدوحة لم يزر مكانا اسمه سوق واقف اعتبره لم يزر البلد أصلا، وهذه حقيقة لا غبار عليها، فذلك السوق بمثابة برج إيفل في فرنسا، وتمثال الحرية في نيويورك، والجامع الأموي بدمشق، ولم لا؟ مقام الشهيد عندنا في الجزائر!، فما هو هذا المزار؟ أليس مجرد سوق؟

سوق واقف الذي أخذ صيتا خليجيا تخطى حدود دولة قطر، يعود بالمتجول فيه إلى عهد مضى، بعيدا عن ضوضاء المدينة وبهرجتها وحداثة منشآتها وعلوّها، ففي ذلك السوق تحسّ بدفء الخليج، وروح الأصالة والتاريخ، تجّار مبتسمون من أهل البلد ومن غيرهم، كبار في السنّ وشباب، محال تجارية للأعشاب الطبية والعطور المركّزة الفاخرة، أنواع من البخور باختلاف جودتها، ملابس تقليدية وحديثة،… وغيرها من المجالات التي يكاد قطار العصرنة يمحوها، وسحابة الحداثة تغطّيها.

لكن مع كل تلك الأجواء القديمة المتّصلة بتاريخ قطر والخليج عامة، لا تجد تشقّقات الجدران، أو حفر الأرضية واهترائها، كل شيء جديد يلمع، لأن أيادي الصيانة والمعالجة المستمرة ممدودة دون انقطاع، فالطلاء جديد بنفس الصورة التي كان عليها سابقا، والأرضية النظيفة، والإضاءة المدروسة جيدا، المهم تمتع  بالتجوّل دون منغّصات.

تنتشر في السوق مطاعم ومقاهي تعجّ بزوارها ليلا بصفة ملحوظة، حيث الجو الربيعي المنعش يجعل من المكان قبلة لمن كان نهاره كدّا وتعبا، عائلات من مختلف بلدان العالم تختار أوّل الأمر مطعم دولتها، دون مغامرة لتجربة أكلات أخرى، لكنها في المرة المقبلة تبدأ جولة أخرى حول ما توفّر من المطاعم كالتركية واللبنانية والسورية والمغربية والمصرية والماليزية والصينية والإيطالية، للأسف فلم أجد مطعما جزائريا ولا أدري لماذا؟ فأنصح من يرى في نفسه موهبة الطبخ الجزائري الأصيل أن يبحث عن مستثمر ويبدأ مشروعه هناك وإن شاء الله لن يندم!

أما عن الأكلات القطريّة ففي مدخل السوق توجد منصة طويلة تعرض فيها نساء المدينة أكلات تقليدية قطرية أو خليجية خالصة ساخنة، فيدعونك بكلّ أدب لتذوّق الطبق وإن أعجبك طلبت وجبة منه، أما عن تجربتي الشخصية فأنصحكم بتجربة كل الأطباق، ولكن إذا جئت لتشتري ما أعجبك وجدت نفسك شبعا من التذوق! إذن خصّص يوما لتتذوق الأكلات وآخر لتطلب إحداها مباشرة.

وبعيدا عن الأكل هناك في السوق ساحة تدعى بساحة الحمام، تجذبك أصواتها إليها من بعيد، فسبحان الله الذي خلق فأحسن وأبدع، أنواع لا تعد من الطيور وحتى الحيوانات الأليفة الأخرى، بألوانها الزاهية وأحجامها المختلفة مع شرح لأكلها وكيفية الاعتناء بها.

من المناظر الجميلة التي تستحق الذكر أيضا ملاحظتي للشرطة الذين يرتدون الزي التقليدي على خلاف باقي شرطة الدوحة، ففي سوق واقف هناك مكتب لحفظ الأمن مبني كإحدى بنايات السوق نفسه، ولا تشعر به إلا من خلال لافتته ورجاله الذين يرتدون ذلك الزي العريق اللافت للنظر، فالسياحة هناك حتى مع الشرطة المبتسمون كل ما نظرت إلى أحدهم.
والمسجد أيضا مبني بأسلوب عريق قديم أخذ لمسة السوق ولم يبتعد عنه، وهنا أشير إلى توفّر المساجد في كل مكان، ففي قطر لا تطرح السؤال: أين أصلّي لما أكون في المكان الفلاني؟ تجوّل وابتعد واذهب أين شئت فستجد مسجدا قائما بذاته أو مصلّى محترما نظيفا للصلاة، في الأسواق، والمستشفيات، والمنتزهات، وحتى الملاعب.

وأذكر أني ذات مرة ذهبت هنا في الجزائر لسوق “باب الزوار” فلم أجد مكان للصلاة، بل قال لي أحد الموظّفين هناك بنبرة حادة منفجرا من الغضب: لا يوجد مكان للصلاة، وهذا الجناح الذي كان مخصصا لذلك الأمر طور الصيانة! ولم يمض على افتتاح السوق آنذاك شهرين! أولا: عليه أن يتكلم بهدوء فهو موجود هناك ليرشد الزوار وله أجرته، ثانيا: إن كان مكان الصلاة مغلقا للصيانة أو غيره فيجب توفر مكان آخر، ثالثا: حديثه معك يشعرك أنه مدير المركز، وحتى المدير لا يحقّ له الحديث هكذا… خامسا:… لا أزيد

أعود لاجواء قطر وسوق واقف، فأذكر في الأخير ميزة أخرى جعلتني أقف احتراما لأصحاب القرار فيه، فزيادة على تجوّلك فيه متسوّقا أو سائحا مستكشفا، يمكنك أيضا أن تنعم بإنترنت مجاني لا سلكي يغطي كافة أرجاء السوق، فقط افتح جهازك المحمول هاتفا كان أو كمبيوتر وابدأ الإبحار والاتصال بمن شئت.

وليس الأمر فقط هناك، ولكن توفر الأنترنت مجانا في الأماكن العامة آخذا في الانتشار بسرعة في قطر، بعدما قضوا على عادة التدخين فيها، وحينما سألني شخص متى نجد هذا عندنا في الجزائر؟ قلت له لما نصل لمستوى منع التدخين في الأماكن العامة!