في معرض حديثي عن التدوين وبعض أساسيته في المقالتين السابقتين، أحاول اليوم التطرق لبعض الأمثلة الحية لآخذها بالمعالجة والتحليل، وكذلك كي لا نبقى في عالم الأفكار فقط، لأن هناك من بدأ الطريق ووصل لدرجات مرموقة، ومستويات جديرة بالاقتداء.

طبعا الأمثلة كثيرة ولا مجال لحصرها في موضوع واحد، كما لا أدعي أني سأعرض كل المدونات الناجحة، لأن مقياس النجاح يتغير من شخص لآخر، والقائمة طويلة جدا، لكن أكتفي بذكر بعض ما أتابع شخصيا، منتظرا من القراء الكرام إفادتنا بمدونات أخرى وتجارب يرون فيها النجاح.

أحاول في الحلقة الأولى أن أتعرض لبعض النماذج وهي: مدونة شبايك، محمد بدوي، عصام حمود، وأسامة، فيا ترى من هؤلاء؟ وماذا فعلوا كي يصلوا إلى ما هم فيه؟.

1- رؤوف شبايك: مدون مصري يعيش في أرض الإمارات العربية المتحدة، تميز بأسلوبه الشيق والمحترف في معالجة قضايا التسويق، وطرح الإشكالات والتساؤلات التي لا تبدر غالبا في ذهن أي كان، فقد عنون مدونته باسمه العائلي وقرن مع العنوان مصطلحات تبعث الأمل وتدعو للنشاط ونبذ الخمول والظهور بمظهر الانهزامية دائما فكتب: الأمل، التفاؤل، النجاح، التسويق!

ومما يدعو أيضا للإعجاب بهذا الشاب الممتلئ حماسا والهادئ حوارا كون المتابع للمدونة لا يدري من أي زاوية سيخرج الكاتب في كل تدوينة مقبلة، وعن أي موضوع بالضبط سيكتب، رغم وضوح التخصص وهو التسويق، فألف كتبا وبسط طريقة تسويقها إلكترونيا ومنها كتابه: التسويق للجميع، وأشرك المصممين مرة ليصمموا معه غلاف كتاب له، كل هذه الأمور جعلته محبوبا لدى متابعيه من كل بقاع العالم العربي ممن لا يعرفه معرفة شخصية ولكن من خلال كلماته وأفكاره.

ولمن يدخل المدونة أيضا يجد قسما باسم وقود الحياة، حقا هي جمل وكلمات تنفع كوقود للحياة، وتدفع بمن يؤمن بها إلى حال أحسن وظروف أفضل.

لقد أبدع الأستاذ رؤوف بترجمته لقصص نجاح أشخاص عاشوا زماننا وعايشوا ظروفنا أو أقل أو أكثر، كما هو من الذين ينادون بالتدوين العربي وتطويره، وشارك في عدة مناسبات علمية لعل آخرها رحلة روسيا، ومؤتمر قطر، ولمزيد من التفاصيل أدعوك أخي الكريم لاكتشاف الكثير مما لم أكتبه هنا لأن الأستاذ شبايك أكبر من ندرجه ضمن فقرة في مقال.

2- المدونة الثانية هي لصاحبها محمد بدوي الفلسطيني الذي عاش وترعرع في المملكة العربية السعودية، ارتبط اسمه بإدارة المشاريع ومواضيع الأعمال، فأسلوبه البسيط وتصميم مدونته أيضا، جعلا من كل من زارها يتخيل شخصيته البسيطة المرحة، حتى أنه عنون سيرته الذاتية على خلاف المعتاد بـ: “من أنا إن كنت مهتما !!” لذلك فقد أضاف لمسته الخاصة للتدوين العربي، ونادى كثيرا للعمل الجماعي وهو ماتحقق له في بعض المشاريع التي ذكرها ولعل أبرزها: الفريق العربي للبرمجة الدي أسسه ويديره.

ومن ضمن مواضيعه ومقالاته المنشورة قصص النجاح، وبعض من رحلاته ومشاركاته العلمية، وكذا مشاريع وأفكار شرع فيها أم مازالت قيد التطوير، فالمدونة حقا من المصادر العلمية القوية حاليا والتي لايشبع قارئها من تصفحها، فمزيدا من التألق والنجاح لأستاذنا محمد.

ومن الغريب أني منذ بدأت متابعة مدونة شبايك ومحمد بدوي بدر لي في أول الأمر أن الشخصين يعرفان بعضهما معرفة جيدا، لتقارب طرحهما، لكن المفاجأة أنهما التقيا أول مرة وجها لوجه في مؤتمر الدوحة الذي أقيم مؤخرا في قطر.

3- بينما كنت أغوص يوما في بحر الأنترنت إذا بي أصادف مدونة جميلة المظهر – هذا ما يجذبني غالبا لتصفح المدونات – ولكن لا يكفي الجمال لتكون مدونا ناجحا، فقد تعدى جمال المظهر إلى الكلمة والمحتوى، وإذا بي أجد صاحب المدونة باسم: عصام حمود، من الجزائر، طبعا هذا يشرفني كونه ابن بلدي، مع أن السابقين الذين ذكرتهم شرفوني كونهم عربا ومسلمين، ولكن روح الانتماء تزيد بزيادة الروابط المشتركة.

الأخ حمود كاتب ورسام ومصمم فني ومطور مواقع، له لمسته الظاهرة في بعض الفعاليات ولعل أهمها: تصميم شعار مسابقة أرابيسك، وله عدة أعمال محترفة أخرى، وأفكار جميلة تستحق المناقشة والإثراء، اهتمامه التكوين العام للهوية البصرية للمشاريع الثقافية ومشاريع الويب الجديدة، يمتلك عصام مدونتين إحداهما مهتمة بالفنون والأخرى بتصميم الشعارات، وقد أصدر كتابا بعنوان “عامين اثنين“، وله مشاركتين كمتحدث لمرتين متتاليتين في منتدى الإعلام العربي في دبي حول موضوع المدونات والإعلام الجديد.

4- المثال الرابع لدينا هو مدونة أسامة لصاحبها أسامه الزبيدي، فقد قال واصفا مدونته: “هي مدونة شخصية اجتماعية فوتوغرافية ساخرة… فيها لملمت قصاصتي ومقالاتي التي نشرت في الصحف و المنتديات.. لا أدري هل لي أن أسميها مقالات أم ربما هي مجرد قصاصات ساخرة ومتفرقة..”.

كذلك كان جمال تصميمها على يد فنان – سنتطرق له في إحدى حلقات هذه المقالة-  مميز أيضا، أعطى لها بعدا آخر ولمسة خاصة، فصاحبنا هذا مصور فوتوغرافي إضافة لكونه عندما يطرح مواضيع التصوير يسعى كذلك لإدراج عدة أمور أخرى، منها يغير سلبية رآها أو يصحح خطأ شائعا، أو كذلك يدعو لأمور أخرى، فطبيعة مقالاته الساخرة جعلت من متابعيه ينتظرون الجديد دائما، وأجمل ما يميزه أنه يقص مغامراته ومقالبه ويستخلص العبر ليقدمها على طبق لكل قارئ وزائر للمدونة، ومن أفكاره التي تحسب له فتحه لباب الإعلان في مدونته لقاء شروط بسيطة تشجيعا لكل مدون عربي ناشئ، فما أحوجنا لمثل هذه الأفكار.

بعد التفصيل في كل هذه المدونات، ماذا نستفيد الآن؟

  • التدوين لا يخضع لتخصص معين، فكل صاحب خبرة في مجال ما يستطيع ذلك، فإن هو أصاب وجد من يشكره ويشجعه، وإن هو أخطأ وجد من يصوبه ويوجهه.
  • التدوين المحترف يفتح أبواب التواصل الجاد بين أصحاب التخصص المشترك.
  • تنوع بلدان المدونين المذكورين ينتج نوعا من التبادل الثقافي والعلمي مما تكون الاستفادة أسرع وأفضل، وشتان بين من نشأ وكبر في ظل محيط ضيق، ومن سافر وعاشر ولو إلكترونيا.
  • لا يتطلب التدوين جهدا في تركيب اللغة واستعمال المحسنات البديعية والبلاغة، ولكن يسلتزم شرحا بسيطا مع توصيل الفكرة وخلوا من الأخطاء النحوية والإملائية، وهذا ما يأتي بالممارسة والتدريب.

هذه المجموعة من المدونات تتلوها مجموعة أخرى إن شاء الله، بتخصصات أخرى وأفكار متجددة، فهل لنا أن نبدأ الرحلة ونشارك بعضنا مهاراتنا وخبراتنا مهما قل شأنها، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.

التدوينة منشورة أيضا في موقع ميديا فيكوس أيضا