شكرا قطر.. بهذه العبارة أريد أن أبدأ سلسلة مقالات حول الرحلة الأخيرة لدولة قطر الكريمة، كانت أياما خالدة، ولحظات مهمة، ستبقى في الذاكرة لأمد بعيد، هي دولة صغيرة مساحة نعم، إلا أنك تشعر وأنت تكتشفها وكأنها قارّة بأكملها تجسدت في اسم قطر.
لماذا كل هذا الإطراء؟ أليست مثلها مثل أي بلد آخر؟ نعم هي ليست كذلك، على الأقل في هذه الفترة، التي يندر أن تجد ما يشرّف الدول العربية ويجعل لها مكانة بين الأمم المتحضرة المتقدمة، في مجالات جوهرية هامة كالتعليم والاقتصاد وفوق كل ذلك احترام مواطنيها واعتبارهم أولى الأولويات لا عبئا وثقلا على كاهل أفراد استولوا على خيرات هذا البلد وذاك.
قطر اهتمت ولازالت بشيء يسمّى الإنسان، في حين قلّ من يستثمر في الإنسان على الأقل في محيطنا، فبغض النظر عن اللغة أو الجنس أو اللون أوغيرها، إنما لعقلك فيها المكانة والقيمة، وبهذا التفكير السديد شقّت طريقها نحو الريادة في مجالات عدة كالتعليم والطب والرياضة والإعلام والساحة و.. القائمة لازالت طويلة.
قطر لا تشعر فيها بأنك غريب الديار، بما تجده فيها من تمازج وتلاحم لمختلف الأجناس، لكلّ هناك مجتمعه ودائرته متوفرة وبقوة، والناس تقدّر بعضها بعضا، ويحترم كل منهم الآخر، تجد فيها من إمكانات السياحة الملتزمة بمفهومها العفيف الأصيل الشيء الكثير، لا تمل من الزيارات فيها، بل تحاول كل مرة اكتشاف الجديد الذي لا ينتهي مع إعلانات جديدة وتحديات مستجدة بين الحين والآخر.
في قطر تحس أن من يحمل مسؤولية تجاه بلاده فعلا يعي جيدا رسالته ومهمته، فبداية ببسط الأمن، وترقية مستوى المعيشة لأبعد الحدود سواء للمواطنين، أو غيرهم من الوافدين كما يسمّون، ولو ترى مثلا للمشاريع التي هي على أرض الميدان، والأخرى التي ستفتتح قريبا، أو التي هي في مرحلة الوعود لتكون حقيقة في عام محدد، كل هذا يسير بخطى ثابتة واضحة، لا يشك فيها أي شخص هناك أو يعتقد أنها مجرد حبر على ورق، كل شيء بمقدار وتخطيط ودقة.
مثلا بالنسبة للمشاريع التعليمية، فقد خصص لها مدينة كاملة متكاملة بإشراف حرم الأمير القطري الشيخة موزة، أما من جانب الإعلام فشبكة الجزيرة الغنية عن كل تعريف عالميا، وفي الرياضة أيضا منشآت متطورة جدا كأكاديمية أسباير للتفوّق الرياضي، وأخرى قيد التطوير لأجل موعد 2022م إن شاء الله، وفي الطيران الجوي الخطوط القطرية ذات الخمس نجوم، وفي الصحة مستشفيات سبيتار والأهلي وغيرها الفاخرة جدا، مع وجود قوانين وآليات للرعاية الصحية بالنسبة للمواطنين والمقيمين موجودة على أرض الميدان وأخرى قيد الدراسة لتقرر قريبا.
هذه مقدمة للموضوع، وستليها مقالات أكثر إذ سأحاول من خلال السلسلة إلقاء الضوء على بعض الجزئيات من الرحلة، وتحليلها مع مقارنات واستنتاجات، أعتمد عليك فيها أخي القارئ لأي سؤال وكذا مناقشة وإثراء أية أفكار ومن ثمّ العمل على تفعيل ما أمكننا تفعيله بما أوتينا، ولنطلق عنان الفعل في زمن الكلام.
تعقيب وتحديث: بعد التأمل في سياق الأحداث السياسية خلصت إلى نتيجة فيها من المفارقة ما يجعلني أتحفظ عن مسيرة قطر الخارجية، وتحركاتها المريبة دوليا، وحتى إعلاميا، فلم تعد قناة الجزيرة الإخبارية بذلك القدر من الاحترام لدي بعدما عرف خطها تحولا ذريعا، وتبقى القضية رأيا شخصيا.
Comments (10)
يبدو أنها كانت رحلة ممتعة لك .. ويبدو أن قطر قد تصبح من الدول المتقدمة عن قريب
حملة إعلانية للسياحة في قطر؟
ربما قطر استطاعت أن تحتل مكانتها هذه لكن كل هذا بفضل الـ 70 بالمائة من السكان غير العرب، الذين كان لهم الدور البارز والكبير في الأمر، المهندس ألماني ورئيس الشركة بريطاني و”الماصون” اندونيسي، كما يقال “البنة للملح والشيعة للطعام”. حتى الآن قطر تستمر في خروجها من دائرة “العرب” ومنها مبادرتها في المشاركة مع دول التحالف ضد النظام الليبي.
أخي الحبيب سنايبر، قطر بالنسبة لي أكثر من أن أخصها بحملة إعلانية للسياحة فيها، فهي تتحدث بنفسها وتفرض منطقها دون إذن من ضعيف مثلي.
ذكرت في المقالة أنها تستثمر في العقول بعيدا عن أي اعتبارات أخرى كاللغة والجنس والبلد، ولا أجد أي إشكال في هذا طالما تحافظ على مقوماتها ومكتسباتها التاريخية والحضارية، أما نحن في جزائرنا الغريبة فلا نحن فتحنا الباب لأبناء الوطن ولا لغيره، ولا نحن حافظنا على شخصيتنا، فاللغة الأم هي الفرنسية والشخصية المتطورة هنا هي الفرنسية والأم الحنون هي فرنسا، لا أزيد أكثر، فقد رأيت وها أنا أقارن.
سلمت يمناك يا جابر …. في جزائرنا الغريبة فلا نحن فتحنا الباب لأبناء الوطن ولا لغيره، ولا نحن حافظنا على شخصيتنا، فاللغة الأم هي الفرنسية والشخصية المتطورة هنا هي الفرنسية والأم الحنون هي فرنسا
بارك الله فيك
سلام
اكيد قطر التي لا تبلغ مساحتها مساحة ولاية المدية التي اقطن بها اكبر من ان يصفها كتب و مجلدات
هناك اهل وعوا حجم المسؤولية و عموا للمستقبل و ليس عن منتهى انوفهم كما يحصل عندنا
بانتظار باقي السلسلة
سلامي لك
قطر : دولة صغيرة جدا بأموال كثيرة جدا… لكن و مع هذا أليس هناك فقراء في قطر؟ بلد تفتح أبوابها للجميع، الصالح و الطالح. المهم الربح و “التقدم”…
أما “فاللغة الأم هي الفرنسية والشخصية المتطورة هنا هي الفرنسية والأم الحنون هي فرنسا”
أنا لا أتفق معك في هذه الفكرة. فتاريخ الجزائر مختلف عن تاريخ قطر و مع هذا فاللغة لا تعني الولاء. أنا شخصيا أكتب بالفرنسية لأوصل لمن يقرأ الفرنسية رأيا مختلفا عما يسمعه عادتا…
نقطة أخرى : “موعد 2022” (إن شاء الله) سيكون فتح كبير للكيان الصهيوني الذي إذا ترشح لكأس العالم (و أظنه سيرشح) سيرفع علمه عاليا و سيعزف نشيده قويا على أرض قطر. فهل يا ترى سيقاطع القطريون مقابلات الكيان الصهيوني أم ماذا؟
أما بالنسبة للغة :أليست اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى في قطر “المفتوحة”؟ و إن كانت للغة العربية مكانتها، أعرف هذا، لكن اللغة الإنجليزية هي لغة التطور و التقدم المرجو أليس كذلك؟
بالنسبة للعلم الصهيوني في قطر فالكأس تكون في 2022م، أي بعد أكثر من عشر سنوات، وإن كنا نفكر بذلك العلم في ذلك الوقت، فهذا عيب منا ونقص يحسب علينا، لأننا نرجو أن تمحى تلك الدولة لذلك الحين، كما أنه لدينا هنا في الجزائر من يتصرف في حياته بتفكير صهيوني أبشع من إسرائيل نفسها فعلينا العمل على محاربتهم أولا، وبعدها تتحرر فلسطين آليا.
أما اللغة الانجليزية فهي لغة العالم وفي قطر تجدينها في الألسن نعم، لكن ليس في اللافتات وفي كل مكان كما لدينا هنا الفرنسية، فهم معتزون بالعربية تجسيدا وفعلا لا كلاما فقط.
الأخت أم الخير مرحبا بك وشكرا على مشاركتك معنا هنا…
بالنسبة لقطر فهي دولة في كوكب الأرض وليست بعيدة عن سنن الله، ولم يقل أحد أنها لا تحتوي على فقراء، إلا أن اولي الأمر فيها يحاولون قدر المستطاع توفير الظروف الحسنة لشعبهم بما رأيت ولم أسمع.
أما حديثي عن الفرنسية في الجزائر فكان في سياق معين أرجو أن تعودي إليه، لم أعب على من يكتب بالفرنسية لكن قلت إننا في الجزائر لا نسعى للحفاظ على مقوماتنا كدولة ولكن يوجد ذلك كمبادرات لأشخاص ومؤسسات غيورة، وهدفك للكتابة بالفرنسية هادف، لكن هل ذلك كل هدف من يتكلم ويكتب بها؟ فالوزير عندنا عندما لا يعرف كيف يتكلم العربية ما أوصله لذلك المنصب؟ على الأقل يتكلم الأمازيغية دون دراية بالعربية نقول هو يتكلم لغته، أو الإنجليزية فنقول هو غنسان عالمي التفكير، لكن الفرنسية؟ ما محلها من إعرابنا؟ إن كانت بفعل المستعمر فهذا كلام ربما نقوله بعد عشر سنوات من الاستقلال لكن الىن مضى عن ذلك 50 عاما تقريبا وتلك الثقافة واللغة الدخيلة في تزايد وانتشار هنا بينما هي في انحسار وتضييق في بلدها الأصلي!
عودة إلى قطر فهي تفتح أبوابها للصالح والطالح؟ أرجو التدقيق في هذه المعلومة، فقطر دولة نظيفة ملتزمة رغم توافد الاجانب فيها بكثرة إلا أنها لا تقارن بالجزائر أبدا في هذا الإطار، ولي مقالة عن هذا الجانب سأكتبها ولا أريد أن أستبقها هنا، فترقبيها.
الله غالب هناك حقائق ربما تكون مرة علينا، لكنها حقائق لو تجردنا من العاطفة وأحكمنا العقل في التمييز بين الأمور.
والسلام
أخي جابر : إذا كانت “تلك الدولة” قد محيت في 2022 فذلك لن يكون بفضل قطر و سياستها “السلمية” و هذا ما كنت أعنيه بالصالح و الطالح. و إن كنت أتمنى تحرر فلسطين الأمس قبل اليوم إلا أنني لا أظن و لا أعتقد أن التحرير ممكن في هذه العشرية، و الله أعلم و الله فعال لما يريد، سبحانه. هو القادر على كل شيء. و إن كان ذلك فلن يكون حينها مجال لكأس كرة قدم عالمية…
أما بالنسبة لقصدك عن اللغة الفرنسية، فطبعا فهمته و استوعبته جيدا و أتفق معك في بعض النقاط لكن لا تزال الجزائر تعاني من الخروج من قرن الاستعمار الفرنسي، و هذه خصوصية مؤلمة تنفرد الجزائر بها…
أنتظر مقالك المقبل إن شاء الله…