نحمد الله أن وهبنا بركة في أعمارنا لنبلغ شهر الرحمة والغفران، شهر المحبة والرضوان، حقا هي نعمة كبرى لو أدركنا قدرها، ووعينا كنهها، فالإنسان في رمضان أمام فرصة ذهبية ليراجع ذاته، ويعيد النظر في كثير من أموره، من علاقة بالله عز وجل، وعلاقة بالنفس والذات، وعلاقة بالخلق والناس من حوله، من أضيق دائرة لأوسعها، وكذا علاقاته بالطبيعة حوله، من أشياء ووسائل، كما أن عليه أن يحافظ على تلك الوتيرة العالية لما بعد رمضان، وذلك هو الجهاد الأكبر كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم.
بالنظر لهذه العلاقات والبحث فيها يحدد الإنسان مصيره ويرسم على ضوء ذلك مسيره، ومفاتيح ذلك الفهم وأسبابه تكون بالنهل من معين العلم ومصادره، وبالجلوس لذوي الخبرة والتجارب في الحياة، فلم يخلق الله من حولنا عبثا، كما لم يخلقنا لمن حولنا صدفة، كل شيء لديه بمقدار، والحكيم الذكي من فهم المغزى وأدرك المعنى، وسعى فاعلا متحركا بقناعة راسخة وإيمان قوي، يبتغي الخير لخلق الله، ويحزن لأحزانهم، ويفرح لفرحهم.
رمضان ليس للعبادة الظاهرية فقط، إنما لفعل الخير قولا كان أو فعلا سرا كان أو علنا، فلنراجع تواصلنا في رمضان، ولنطور علاقاتنا بغيرنا فيه، بنيّة صافية وقلب سليم، فالكل مدين للآخر بالهداية والنصيحة، ومن تمام التقوى والإخلاص أن نشعر بأحزان الحزين، ونتألم لآلام المتألم كالأم ترأف بفلذات أكبادها وترحم بهم، ولا يسرها أن تنام قريرة العين وابن من أبنائها يئن تحت وطأة أي خطر.
إن كنت في نعمة فغيرك لم يذق طعمها، وإن كنت في خير فهناك من حُرمه، ادع الله أن يديم عليك النعم ما ظهر منها وما بطن، واستثمر قدراتك ومكتسباتك لينعم غيرك بما تنعم، من هداية ورخاء وأمان وإيمان… ولنرفع أكفنا داعين الله… اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم يا أرحم الراحمين.
مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا