الصحافة المكتوبة في كل بلد أو أغلبها تمتاز بالتعددية والحرية في التوجه والطرح، فالجرائد عندنا في الجزائر في تزايد مستمر، لكن هل تؤدي دورها كجرائد؟ للأسف فأكثرها غثاء كغثاء السيل -إلا ما رحم ربي-، والخلل فيها ليس ماديا ولا بشريا، ولكن في عقلية التسيير.

المتصفح للجرائد في الجزائر يصاب بالغثيان تارة وبالحسرة تارة أخرى، وكأن كتابها يضحكون على القارئ ويسخرون منه، عناوين بعيدة عن الحقيقة، ودون المستوى، واستعمال لتعابير غير مناسبة، وتهويل لقضايا بسيطة أو تهوين لغيرها هامة وثقيلة.

ومن المؤشرات التي أطلع عليها في صفحات جرائدنا يوميا ما يوحي إليّ أنها تسيّر من مجموعة هواة وبطريقة الهواة:

  • التناقض في نفس الجريدة الصادرة في ذلك اليوم، فاختلاف توجهات صحفييها جعل أحدهم ينشر خبرا وبعد ثلاث أو أربع صفحات نجد صديقه ينشر نفس الخبر لكن بالنفي، فهل هذه الجريدة يتم مراجعة ما ينشر فيها من مدير التحرير؟ أم تسير بعواطف وأهواء فقط؟ أم لا يهم الخطأ في الأخبار ولكن المهم عدم التساهل مع صفحات الإعلان التي تدر الأموال.
  • التركيز على عبارات خارجة عن الموضوع، وإعادتها كل مرة كـ: “كما انفردت الجريدة قبل أيام…” أو ” كما قلنا مرارا…” أو ” وهذا ما ذهبت إليه الجريدة سابقا وأنكره غيرها…” وعبارات تشعرك بوجود تنافس سلبي وصراع خفي، مع التأكيد أيضا في كل مرة بقولها: إن لها من النفوذ والتغلغل في كل مكان وزمان ما ليس في الجرائد الأخرى، فعوض أن تتكاثف الجرائد نجدها تتناحر وكل منها يبني مجدها على أطلال الأخرى.
  • استباق الأخبار التي مازالت لم تقع بنشر إشاعات وكتابة عبارة: “قد…” التي يزعم صاحبها أنه يزيل المسؤولية عنه في حال وقع غير ما توقعه.
  • تناول قضايا الفساد التي دائما تحصل ولكن ليس كما يتناولها الإعلام الحر الذي قصده من ذلك كشف الستار ومحاسبة المخالفين، فجرائدنا تفعل ذلك بدوافع شخصية ولكسب أرباح أكثر، فإن لم توافقها أعلنت حربا عليك، وإن جاريتها جارتك، والفيصل هنا هو المال وليس المبادئ.
  • نشر أخبار المغنيين عندما يحبون أو يتزوجون أو يطلّقون، ولا أدري لحد الآن ما فائدتي لما أقرأ: “الفنان الفلاني وقع في غرام الفنانة العالمية فلانة، وسيتزوجان وووو….” فقط أتيقن أن تلك الجريدة تخطو خطوات جريدة فرنسية مان وتستعمل النسخ واللصق وتملأ صفحاتها، لأن العمل يومي، وماذا سيملأ أربعا وعشرين صفحة؟!
  • نسخ واقتباس أخبار ومواضيع من المنتديات، دون ذكر للمصادر، والمشكل الآخر في كون بعض تلك المقتبسات ذات مستوى لا يرقى للنشر في صفحات الجرائد كخرافات الأنترنت باللعب والتعديل في الصور ثم تأليف القصص حولها وإشاعتها، والتي لا أساس لها من الصحة.
  • استعمال صور غير مناسبة للمواضيع وغير متطابقة للحدث، مثل أن تأتي الجريدة يتقرير لمنطقة ما، ولكن أعلى الموضوع نجد صورة لمنطقة أخرى غيرها ولا يوجد شبه كبير بينهما لإمكانية الخطأ.

أما بالنسبة لمشاهد الفتنة التي نراها في الجرائد فأحصي منها مشهدين على سبيل المثال:

  • عدم نسب الوقائع لأصحابها، وتضخيم القضايا البسيطة لعناوين تشعرك أن حروبا طاحنة تقع في تلك المنطقة، فتشاجر رجلين في مقهى مثلا بسبب نتيجة مقابلة معينة تعنون بـ: “مشادات دامية باستعمال الأسلحة البيضاء بين عائلتين تنبئ بحرب خفية”.
  • نسب حوارات كاذبة وتصريحات وهمية لشخصيات على حساب أخرى، مما يشعل فتيل الخلاف بينهما، يستغله الصحفي في ضرب أحدهم بالآخر للإثارة وزيادة راتبه ومنصبه عند سيده والغاية هنا تبرر الوسيلة في نظره.

وللأسف فإننا نرى أيضا مهرجانات الغناء والطرب واللهو والرقص تخصص لها المساحات الكبيرة والصفحات الهامة، فيما تبقى الأخبار الهادفة حبيسة الأعمدة الفرعية، والصفحات الداخلية، فكم من شخص تم تكريمه عالميا وذكر في أكبر الجرائد المتخصصة والعامة، لكن تم إنكاره تماما عندنا، فعليك أن تكون مغنيا أو في السجن أو تتبنى فضيحة حتى تخصص لك تلك الهالة الإعلامية.

هذا ولا أنكر أن هناك من الجرائد ما هو مفيد حيث تشعرك وأنت تتصفحها أن هناك عمل ومحاولة للتطوير، مع وجود أخطاء طبعا -وجل من لا يخطئ- فالجريدة جميلة بأخبارها التي تضعها في إطارها المناسب، وبمقالات كتابها ومفكريها، ولكنها بين الجرائد الأخرى قليلة، وهنا أقارن التي تكتب بالعربية ولا أعني المفرنسة فذلك موضوع آخر، كما أنبه أن ما يقع لدينا لا يختلف كثيرا عن ما يقع في كثير من دول العالم، وربما أكثر، إلا أن ما يهمني هو ما أعيشه أنا هنا.

في الأخير أود أن أعترف أن أجمل ما بقي يميز جرائدنا تلك الرسوم الكريكاتورية التي يعبر فيها الفنان عن مشهد بريء من واقعنا وحالنا، فأرجو ألا تنزل تلك الرسومات أيضا لمستوى أغلب من يعبر بالكلمة في يومنا هذا، فخيرة صحفيينا في الخارج، وأغلب من هنا لا يتوانى في التفكير بالعمل في غير الجزائر، الأسباب كثيرة وأغلبها واضح نتطرق إليها في موضوع خاص إن شاء الله.