يبذل الإنسان جهدا معتبرا في إتمام إنجازاته، ويولي لها قدرا كبيرا من الاهتمام والمثابرة، حتى إذا أتم إنجازا انتقل للذي يليه مرتقيا سلما كل درجة فيه تمثل عقبة وتزيد فيه تجربة وحنكة، إلا أن العقبة الأكبر والإشكال الأهم هو ما بعد تحقيق ذلك الإنجاز؟ فبلوغ القمم صعب لكن المحافظة على البقاء فيها هو الأصعب كما نعلم، فكيف السبيل للبقاء في الصدارة بإداء راق ومضمون حي لا يموت سريعا؟

هي معضلة بحق لو اختبرنا المسألة في محيطنا وما حولنا، فكثيرة هي المشاريع التي تنفق فيها الأوقات والأموال والجهود بسخاء في مرحلة بنائها وإعلاء مقامها، إلا أن كل ذلك الاهتمام يختفي فجأة حين انطلاقها، فتتآكل بفعل الزمن، وتذبل بكثرة الاستخدام لتنهدم بعد مدة قصيرة، والسبب أن أصحابها أغفلوا مرحلة مهمة هي الصيانة والمراجعة، ونسوا أو تناسوا تهاونا أنها تتطلب المزيد من العمل المضاعف والمتابعة الدورية المستمرة لتحافظ على رونقها وحسن أدائها.

صيانة المنجزات المادية ليس أقل شأنا من المكتسبات المعنوية والعلاقات التي نبذل الغالي والنفيس للحصول عليها، ولعلّ الأمم المتطورة قد صنعت الفارق ووسعت الهوّة حين تفطنت لهذا المعنى الجوهري، فكم من مشروع تم تدشينه ليدخل مرحلة الاستعمال فيهرم بعد مدة قصيرة؟ وكم من قيمة بلغها الإنسان لدينا وبفعل تجاهله لصيانتها والمحافظة عليها سقط وتقهقر؟ هي هكذا الأمور لو توزن بمفهوم الإسقاط من المعنوي للمادي لتظهر بشكل أبسط ما دمنا لا نؤمن عادة إلا بالملموس الحسي.

صن إنجازك ولو تطلب منك التوقف عن الإبداع فيما هو جديد، فالإبداع أولى أن ينفق في المتوفر سلفا قبل ما نسعى في الحصول عليه من جديد، وحقا لو تنتشر ذهنية الصيانة فسنفعل العجائب ونحقق المعجزات.

مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا