قد تسلب الإنسان فكرة، وقد يسلبه أسلوبها، ومع انفتاح مصادر المعلومة صار يقارن بين ما اعتاده وما يجده كلون وطعم جديد خاصة في الفيسبوك، فهذه منشورات تطعن في معلومات علمية كان يعتقدها وأخرى في ممارسات دينية وأخرى تطرح أسئلة وجودية حرجة.
كل هذا يهز كيان ذلك الإنسان ويختبر قدراته العقلية والفكرية في الصمود والتجاوب والتأقلم، فمن كان طبعه الجمود (وهو تطرف) فسينهار مهما قاوم وينتقل لحالة (تطرف) أخرى أو يتوازن على أحسن تقدير، ومن كان سطحيا فستجرفه الأفكار القوية وتؤثر فيه بسهولة.
وحده من يقف على أسس متينة من الوعي والفهم سيشكل قوة مؤثرة أخرى ويستفيد ويستلهم دون أن ينكر جذوره ومبادئه، فهو يعرض ما لديه من أفكار فينقحها ويعيد ترتيبها دون أن يفقد بوصلته ووجهته، وهذه رحلة صعبة جدا قلّ من ينجو فيها، ونادر من يعبر أنفاقها وجسورها بسلام وبأخف الأضرار.
القراءة المستمرة العميقة وتعدد المصادر والتوقّف وعدم التسرع في إصدار الأحكام، هي من بين الوصفات المؤدية لبر الأمان، مع استحضار الحالة النفسية وحالة التشبع العاطفي والسلام الداخلي الذي يعيشه صاحبه في تلك الفترة تحديدا، وللإنسان مهما كان فجوات ونقاط ضعف، تتسلل منها حبال المشنقة أحيانا، وتنفذ منها أغلال التطرف أحيانا أخرى.
ليس علينا أن ننزلق كل مرة لمأزق التعاطف مع فكرة فقط لأن صاحبها إنسان متحرر متمرد، وليس لنا أن نسقط ضحايا الولاء لكلمات وشعارات فقط لكونها تلامس شغاف قلوبنا في لحظة تحمس ما، ولكل خلفياته الفكرية التي يتكئ عليها، ويبني عليها قناعاته، وبالتالي يتخذ منها مواقفه ويطلق أحكامه.
في عصر الإعلام المفتوح صار لزاما علينا تركيب حساسات أكثر استشعارا، وفلترات أقوى مناعة، فعقولنا مهما تعلمت وظنت أنها فهمت ستبقى ضعيفة جدا أمام أمواج الأفكار والطروحات والتوجهات..