تطرأ حولنا أحداث مؤسفة، تدوي عقولنا، وتبعثر أوراقنا، وتلف أحبالا متينة حول أعناقنا، هي الدنيا علّمتنا ألا نأمن لها حالا، ولا نرجو منها منالا، خبر مفجع نزل عليّ كالصاعقة أمس، لم أرد أن أنساق مهولا، ولا أن أتغاضى مهوّنا، فأخذت نفَسا، وجمعت أمري، وهممت لأكتب…
طفل آخر “خطف” من أحضان أسرته في بلدة آمنة أمنا منيعا، وهادئة هدوءا بليغا، يلقى مصيرا غريبا لم يكن الأول في “بلد العزة والكرامة” وإن لم تتحرك القلوب والعقول الوجهة الصائبة سوف لن يكون الأخير، ولا عالم إلا الله فيمن سيكون الدّور… نسأل الله اللطف!
بعد عبد الرؤوف، سندس، ياسر، شيماء… والآن “مهدي” ذلك الملاك الندي، يجد نفسه في مخالب “أفاعي بشرية” لم ترقب فيه إلا ولا ذمة، فداهمت حيّه (+) المطمئن ذات ليلة، وذهبت به إلى وجهة مجهولة، تركوا أمّا مذهولة، وأسرة حائرة، وبلدة مترقّبة، تدعو الله اللطف وما عساها تفعل غير ذلك؟ بعد أن وقع الفأس على الرأس؟
تداول الناس أخبار القضية بحذر، فمن قائل للعثور عليه، لمناد إلى التريّث في التصريح بأي ما من شأنه أن يضع حدا “لفؤاد” الأم الحنونة الفارغ فراغ فؤاد أم موسى عليه السلام! وما أسرع الأخبار السيئة في انتشارها، وما أمرّها حين مقارعتها للآذان، تصدر صدى عميقا، وتترك آهات وزفرات صادقة بعد كل محطة تنزل فيها لهنيهة، فتنتقل في سرعة البرق لشخص آخر دون هوادة ولا تراجع! قتل “مهدي” ولم يرجع مثل “النبي موسى عليه السلام”…!
المجرمون في حالهم تجردوا من إنسانيتهم، وإن هم فعلوا فعلتهم بإنسانيتهم فنحن من تجردنا منها إذن! قتلوه ورموه في ركن قصي من واد يشق المدينة المجاورة، لم يرموه في بئر عسى يرجع يوما معززا مكرما لوالديه، إنما أنهوا حياته القصيرة بسرعة، على كلّ سيكون أكثر عزة وكرامة من مكوثه في بلد لازال من يدّعي فيه بعض الفهم حائرا في أبسط أموره، وكأن لسان حال مهدي يقول: لكم عزتكم ولكم كرامتكم الزائفة! “إني ذاهب إلى ربي سيهدين”.
حقا أعجب لبلاد وصلت فيها قيمة شيء اسمه “الإنسان” لأدنى مستوياتها، ليس هذا وليد حادثة الأمس فقط، لكنه تراكم من وقت طويل، ولّد من ورائه تركة ثقيلة من أمثال هذه “النكبة” بالإضافة لعدة شواهد لو أردنا سردها هنا ما أحصيناها…!
لا تساوي شيئا هنا أيها “الإنسان” حقيقة كثيرا ما سكتنا عنها، وغضضنا عنها الطرف احتراما لاعتبارات عدة، وعملا لحال أفضل -ولا نزال- لكن الموقف حريّ بالتجرد والصراحة في مناسبات كهذه، فبرميل النفط أغلى منك، وقارورة الغاز أهم منك، واسأل من فهم ووعى مأساة “تقنتورين”! (++) قبل أيام!
ربما سأغرد خارج السرب إن قلت إن ما حدث في بن يزجن أمس نتيجة من نتائج “منظومة تعليمية” سقيمة عقيمة، ولا أقول “تربوية” فلا تربية فيها منذ عقود!، وخيوط الظواهر لا تحبك من فراغ، في دولة تفهم من حديثها “الرسمي” لا الشعبي وكأنها تحمل الإسلام كرها وخجلا منه، فهو يشكل ثقلا وحرجا لها في كل تحرك يمليه عليها الأسياد، وهذه هي النتيجة… جيل فقد الثقة، والحصانة… فصار يتخبط في قاع الحضارة!
بلد يُقتل فيه طفل -وقبله كثير- بدماء باردة، دون أي تحرّك في ما يسمى بأعلى المستويات، فيما هم أدناها في الحقيقة، إلا من هرج في وسائل الإعلام تفوح منه رائحة التلذذ بنشر مثل هذه الأخبار المتكررة لديهم لحد التشبع، من باب الإثارة والسبق والمسارعة في المنكرات، حتى صاروا ممن يصدق فيهم قوله تعالى: “… إن جاءكم فاسق بنبأ”…!
أين ذلك “النيف” الأجذع الذي تغنى به من مسّت بعض قنوات الغاز لديه؟ أم أنه لا يتحرك في قضايا الأعراض والأنفس؟ متى يعامل المواطن كمواطن له حقوق دنيا ليتحرك نحو واجبات عليا؟، ومتى تنزل تلك الحقوق إليه من منزلة الطموحات والأحلام؟ ولعل من أبسطها العدالة الاجتماعية والأمن في الأشخاص والممتلكات؟!
لا أريد الإستغراق في “لعن الظلام” لكنه واجب في حينه -في رأيي- فالقضية أكبر من أن نمر عليها مرور الكرام، ومهدي البريء رحل شهيدا ملاكا يطوف مع الولدان المخلدون في الجنة إن شاء الله، تاركا لنا ما نعتبر فيه، ونعيد حسابات، ونراجع قناعات، نتحرك بوعي لوضع حد لما يقع… نتكاثف جميعا شرقا وغربا، شمالا وجنوبا… فالقضية تجمعنا، والأزمة تراوح حوالينا!
هي خواطر كتبتها “على وقع الصدمة…”، فيما لايزال المجرمون يسرحون ويمرحون بكل حرية، وأحداث مثل هذه لا تقع جزافا، ولا تحدث عبثا، فالله يرسل لنا رسائل من ورائها، ويا سعد من فهم ويا أسف من بات نائما راضيا بحال لا تسر صديقا ولا عدوا، سواء كان هذا النائم في أعلى الهرم أم أدناه فهم سواء… حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون…
أرسل تعازي الخالصة لأسرة مهدي خصوصا الوالدة المكلومة، ولكل متضامن متفاعل… “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”… وأشكر كل ساع في خير هذه الأمة، مهما كان، وأينما كان، ففي الأمة خيرون يحتاجون للخيرين ليطفو أثرهم، فاللهم أعنهم وافتح لهم…!
——————————-
(+): مهدي طفل في 7 من عمره، اختطف من أمام بيته يوم الأربعاء 13 فيفري 2013 في حوالي 20:00 مساء، في حي أدجوجن ببلدة بن يزجن الهادئة المطمئنة، ولاية غرداية (واد مزاب)، الجزائر، وعثر عليه مقتولا في “واد” بعد أقل من 24 ساعة من الاختطاف.
(++): حادثة “تقنتورين” هي هجوم على قاعدة الحياة بمدينة “عين أميناس” في صحراء الجزائر يوم 16 جانفي 2013م، أخذت اهتماما عالميا كبيرا، كونها سابقة خطيرة في تاريخ الدولة الجزائرية بالهجوم على قاعدة حيوية لإنتاج الغاز.
Comments (11)
حقاا مفهوم الإنسان قد غاب عن منظومتنا التي نتعامل فيها يوميا وكل هذا جراء مشي وراء شهوات ولذاتهم وشبهوا أنفسهم بكائن كرمهم الله عليه …أتعجب لما يريدون أن يرجع أنفسهم كذلك ؟؟؟!!!
حقاا رأيناهم يسعون حول النيف الذي نفتقده في الاعراض والأنفس ونجده في المال رغم أن القواعد الخمسة في المقاصد الاولوية في حفظ النفس والعرض أولى من المال …
صدقاا منظومتنا تغيرت جدرياا ونحن نمشي وراء الماديةالتي نجني ثماره كل يوم …..؟؟؟؟!!!
inna lillah w ina ilayhi raji3oun…hasbiya allah wa ni3ma alwakil.
رحم الله مهدي البريء، وألهم ذويه الصبر و السِلوان، فحادثة مهدي تذكرني بقصّة الخضر في سورة الكهف و قتله الطفل البريء،معلمًا سيدنا موسى وإيّانا في نفس الوقت، أنّ ما حدث للولدهو لا محالة خير له و لوالديه، فكما قلت يا جابرلعلّ الله أراد بمهدي أن لا يعيش الذل و المهانة في دولة يفترض انها دولة العزة و الكرامة، و يعيش بدل ذلك في جنة الخلد ويبني لوالديه قصرًا هناك.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
ان لله وان اليه راجعون ولاحول ولاقوة الا بالله ان المجتمع الجزائري في خطر لا يقل عن خطر الارهاب وان لم تتحرك الدولة لهذا فالكارثة تتعاظم . ان احساس الجنات بالامان في االعقاب هو مايشجع على هذه الافعال….
1)اختفاء العقوبات الرعدية (كالاعدام)،
2)الغزو الثقافي والفضلات الغربية الدخيلة
3) غياب دور تالمنظومة التربية والأسرة
أتمنى أن يحكم شرع الله في هذا المخلوق وهو ان تحفر له حفرة ثم يوضع فيها مقيد اليدين ويهال عليه التراب الى رقبته ثم يرجم بالحجارة على راسه حتى الموت ويشاهده الجميع وننتظر النتيجة من قاتلي الاطفا
لآ إلاه إلا الله محمد رسول الله، إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فعلا، الإنسان هو آخر ما تفكر فيه الكائنات “المتحكمة” في أقدارنا وأرزاقنا وحياتنا…….
وقد جثمت – على صدر هذا الوطن ” السليب”- ثقيلة غافلة طوال هذه السنين العجاف. وكسرت، بل وأتت على ما أبقت سنون الإستدمار من “شيء قليل”. وكأنه تبادل للأدوار عن وعي مسبق خبيث، أو غفلة بلهاء….وفي كلٍ ويلٌ وثبورٌ ومصيبةٌ.
حقا يفعل الجاهل في نفسه ما لا يفعل العدو في عدوه. وكأنها قدرنا المحتوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم إنا نسألك اللطف بعبادك و بهذا الشعب الطيب الغر و المسالم، وببلدنا. وأن تبدلنا خيرا منهم تقاتا وأقرب رحما، اللهم عليك بالضالمين والمتربصين، والمستفيدين من كل ما يشين هذا البلد الطاهر الجزائر.
فعلا هذا البلد يحتاج –بل يستاهل- عبادا مخلصين، واعين، مصلحين، عالمين وعاملين أحسن مما هو موجود. ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) سورة النساء.
دولة العزيز وما جلبت لنا بتغاضيها عن اطلاق سراح المجرمين دبر كل مناسبة دينية او وطنية ولا ننسى حذف الإعدام من خانة العقوبات …. ولا حتى السجن اصبح يردع هؤلاء
اين كان الأمن .؟ أين كانت الشرطة ؟ الكل أصبح يختفى من الطرقات بداية من الساعة 6
اصبح المجرمون يصولون ويجولون ويختطفون ولا يجدون من يقف لهم بالمرصاد،
ربي يرحم الطفل ويدخله فسيح جنانه ويلهم ذويه الصبر والسلوان
وبارك الله فيك جابر …. سيجزيك المولى على التفافك لمثل هكذا مواضيع،
إنا لله و إنا إليه راجعون ، حسبنا الله و نعم الوكيل ، اللهم ارزق والدي مهدي و جميع أهله و الأمة الميزابية الصبر و السلوان و أجرهم في مصابهم الجلل ، و أرنا في القتلة الظالمين العديمي الإنسانية ما تقر به أعيننا و أعين و أقاربه ..
و إني أطلب و بإلحاح من أقرباء مهدي أن يتابعوا التحقيقات الحثيثة و لا يتركوا بابا إلا و يطرقوه في سبيل إظهار المجرم عله يكون عبرة للمعتبرين
و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إننا لله و إنا إليه راجعون
حسبنا الله ونعم الوكيل إنا لله وإن إليه راجعون
مرة أخرى استبيحت دماء الأطفال ، ورخصت أرواح الأبرياء
أين نحن من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ” وأيضا: “كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ”
تجرّد الظالمون من إنسانيتهم عندما قتلوا الطفل مهدي، وتجردت الإنسانية منّا عندما بقينا ساكتين ومكتوفي الأيدي…. من لا يهتم بحال المسلمين فليس منهم
فربنا لا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا ، اللهم أفرغ على والديه صبرا وعلى ذويه سلوانا
حسبنا الله ونعم الوكيل فى بشاعة القاتل فقلبه من حجر او اشد قسوة …. فما ذنب البراءة ؟؟؟والله حادثة مهدى تدمى القلوب ….فيارب ينتقم من الفاعل ويرزق اهله الصبر والسلوان فى مصابهم الجلل
إنّا لله وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم . إن الإنسان في عصر حقوق الإنسان لا قيمة له وإنّ أمثال الشهيد مهدي تتكرر كل يوم في شتى المدن والأحياء. وسوف نسمع العجب العجاب ما دمنا نعيش في هذا الظرف الذي نسينا فيه الله فأنسانا في نفوسنا وما دام الإنسان فاقدا لإنسانيته لأنّه انحرف عن هدي الله. ولا نجد الأمن ولا الإستقرار في حياتنا ما دامت أمورنا في يد أعداء الإسلام والإنسانية. فلنرجع إلى الله في تربيتنا لأبنائنا والإعتناء بالأخلاق قبل الأرزاق ما دام الله خالقنا فهو رازقنا ولكن الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم