كل أزمة تسبقها مؤشرات وشواهد قد تبدو لبعض الملاحظين، ولا تظهر بوادرها لغيرهم إلا بعد أن تحل بارتداداتها وانعكاساتها، ثم تنزل بثقلها وآثارها..
الأزمة الاقتصادية الحالية ليست مفاجأة، بل كانت تدق باب العالم من سنوات بدءا بجلده ثم لحمه وشحمه ثم عظمه، وتهدد بوقوع الكارثة منذ زمن، وإن اختلفنا في قراءتها من عدة زوايا فإننا سنتفق حتما في ضرورة العمل جديا على تفادي نتائجها قدر الإمكان، أو بعبارة أدق التأقلم معها لتخفيف ضرباتها وصعقاتها..
لا يهم الآن أن نتبنى موقفا نعتقد فيه أن الأمر مجرد مؤامرة، ولا يهم كذلك توجيه أصابع الاتهام لأي جهة كانت، لأن النار قد بلغت منا مبلغا معتبرا، وأي تفكير أو قول أو جهد خارج دائرة إطفائها والإسهام في إخماد جمرتها، هو مجرد عبث وإفلاس، يعتبر صاحبها عالة على العالم مهما بلغ علما وتدينا..
الأزمة مستويات، والضحايا أصناف.. صنف لا يكتوي منها لأنه أصلا قد نشأ فيها وتماهى معها، وما لجرح بميت إيلام.. وصنف عاش طويلا في القطن مدللا لم يستوعب بعد معنى أن تتعقد الظروف من حوله، فهو أمام فرصة تصحيح المسار أو الموت للأبد.. وصنف ثالث نادر يتفنن في ركوب موجات الأزمات، يروضها بذكاء، ويستثمر فيها إبداعه ليرتقي أكثر وأكثر.. فهو ينقذ نفسه وغيره..
أول خطوة.. أن نكتشف مستوى الأزمة من حولنا.. ثم نحدد موقعنا منها.. ثم نتفاعل بما يقتضيه الموقف بدقة.. مبتعدين عن الضجيج والعويل.. وعن التهوين والابتذال.. مؤمنين يقينا أن الله بحكمته يختبرنا لأمر أعظم.. فمنا الأسباب وبفضله وإحسانه التوفيق والسداد..