يمرّ أمامنا شريط الحياة كلّه محطّات وبصمات، إلّا أنّنا باختلاف تصوّراتنا وخلفيّاتنا المسبقة عليها نتّخذ المواقف ونتصرّف وفقها، فمنّا من منظاره مضيء لدرجة كبيرة، ومنّا من تشوبه بعض الظلمة، منّا من يرى الأشياء أفقيّا ومنّا من يبصرها عموديّا، بل منّا من يبصر ومنّا من يعمى عليها أصلا.
الناس أنواع في هذا، وأحكامهم متباينة بشدّة، فلا يخلو فعل من ردّات فعل، ولا يمرّ إنجاز دون إصدار حكم بشأنه، المعيار في هذا ما اتّفق عليه الحكماء قديما بعين الرضا وعين السخط، إذ تكون الموضوعيّة مجرّد شعار وحلم بعيد المنال عادة، فلكلّ واحد منّا -بشعور أو دونه- خلفيّة مبطّنة في أعماق عقله، وذهنيّة متجذّرة لحدّ التطرف أحيانا قبل الخوض في تقديم انطباعات أو آراء حول ما يحصل أمامه.
جرّب واستمع لمن يصدر أحكامه على أيّ أمر أهمّه تجد من كلامه ميلا إمّا للذمّ أو المدح ومهما كان ما مال إليه فهو يجمع من القرائن ما تساعده ليبني موقفه ولو على حساب شواهد أخرى يهملها فقط لكونها لا تخدم النتيجة في الأخير، هكذا هو واقع تحليلنا حينما يشحن بالعاطفة شحنا مبالغا فيه ويتجرّد العقل من دوره فيه.
ليس شرطا أن تتبع الموجة السائدة حولك في تحليلك للأمور، إنّما لديك عقل تفكّر به وما أكثر مصادر المعلومة الآن، تريّث ولا تتسرّع، تأمّل ولا تتهوّر، كن ذا عين ناقدة ترى الشوك فتذكره، وترى الندى فلا تهضم حقّه.
وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة كما أنّ عين السخط تبدي المساويا