تبنّي المفاهيم وتجسيدها يتطلب قناعة راسخة بها وبالمغزى منها، وهنا يتمايز المقلّد الساذج من المستلهم الذكي، الذي يرسم معالم مشروعه ويتمرس أجزاءه بدقة، ثم يرسل فكره وعقله هنا وهناك لبناء لبناته استفادة وتكاملا مع ما سبق من التجارب المشابهة جزئيا أو كليا، مطبقا حقا ما يقول، لا مدّعيا فقط بالشعارات والمظاهر.

الكثير ممن يدّعي البساطة وهو أبعد منها بعد المشرقين عن المغربين، والعديد يترنم بالفعالية وهو عاجز كلّ لا يتحرك من موضعه إلا بلسانه، فالأفكار وحدها لا تكفي، والشعارات فقط لن تقدم بل تؤخر، لأن البساطة سلوك متجذر لا يبلغه الإنسان بسهولة، والفعالية تحدّ ومغامرة، لا تكفي لأجلها الأحلام والمخططات النظرية، لكن ماذا عن جمعهما معا؟ هذا هو التحدّي الأكبر بحق.

البساطة أن تيسّر سبل الوصول للهدف مهما كان لأي كان بأسرع وأقصر طريق قدر الإمكان، فلا يشعر صاحب الحاجة بحواجز نفسية كانت أو مادية تعيقه لأجل الحصول على مطلبه، لكن يجب أن يحدث هذا دون التأثير في الجودة، والمساس بالاحترافية في الأداء، لذا فلكي لا تسقط البساطة في مطب العفوية المضرة بالخدمة أو المعاملة، لابد لها من حلول فعّالة ترفع من قيمتها وتحقق الهدف المسطر بشكل منطقي متوقّع.

ولكي لا نبقى في الجانب النظري الذي يمكن أن يعقّد المسألة ويفرغها من فعاليتها، دعونا نسوق مثالا حيّا عن مشروع إنترنت عربي وجدت فيه هاتين القيمتين الثمينتين، إذ هما سرّ نجاح هذا المشروع وإخفاق ذاك تقريبا، خصوصا مع مراعاة الحاجات والمتطلبات، ودراسة الفرص ومضاعفة الأداء، وهذا المشروع هو: “فايلاتي” Filaty لحفظ الملفات والصور بالتقنية السحابية الحديثة ومجانا!

قبل المضي في قراءة تحليلية لموقع “فايلاتي”، لا بأس أن أشرح ولو بشكل مبسط تقنية الحوسبة السحابية (*) Cloud Computing والتي تمثل حاليا موضة الإنترنت، إذ برزت منذ عام 2012 تقريبا فتصاعدت وتيرة استخدامها خاصة كونها جاءت حلا لعديد الإشكالات التي أرّقت الشركات المنتجة للتطبيقات والبرامج مثل القرصنة، إذ تمكّن لها التقنية الاحتفاظ بقاعدة بيانات خاصة لا يتم الوصول إليها إلا عبر الإنترنت، وهي من تقرر توفيرها بمقابل مادي أو مجانا.

أما عن “فايلاتي” فانطلاقا من اسمه الذي يعبر عن محتواه تقريبا، فهو مزيج بين ترجمة كلمة “الملفات” للغة الإنجليزية Files مع تصريفها بضمير المخاطب فكانت “فايلاتي” عوض “ملفاتي”، ولست أدري في الحقيقة السبب المباشر وراء ذلك الاختيار إلا من باب كون مثل هذه المشاريع تعتمد أسماء سهلة الحفظ، وفيها نوع من الطرافة أو الخروج عن المألوف، ليرسخ في ذهن سامعه بشكل أسرع وأعمق.

وبخصوص الشكل الفني فقد جاء سلسا احترافيا لأبعد الحدود، إذ يظهر فيه جهد المشرفين عليه، من ناحية اختيار الخطوط العصرية الحيوية، وكذا انتقاء الألوان الموحية بالموضوع، والمؤدية لهدف الموقع الأساسي، مع اعتبار ذهنية البساطة وسرعة الخدمة، وسهولة الاستخدام، وهي قيم أساسية في “فايلاتي” فهي تشكل بها بصمة نوعية إضافية لمشاريع الويب العربي.

تقنيا فقد طُوّر الموقع على أحدث تقنيات الويب، فعلى سبيل المثال قابليته للتصفح من كل أنواع الأجهزة والبرامج، مع إتاحة مستخدمه بعد التسجيل امتلاك مساحة سحابية خاصة لرفع الملفات بصلاحية مدى الحياة، وإمكانية رفع أكثر من ملف في آن واحد إذ يفوق عدد الملفات في “فايلاتي” حاليا 2.1 مليون ملفا يتم مشاركتها من أصحابها والتفاعل بها في شتى المواقع والشبكات، وهذا رقم معتبر يؤكد على الثقة الكبيرة التي وضعت في الموقع من مستخدميه، وإلا فكيف يستأمن شخص موقعا كهذا ملفاته الخاصة وقاعدة بياناته المهمّة لديه لولا أن وجد فيه تلك المسحة من المصداقية والأمان.

طبعا فلا نتصور أن يقوم أي مشروع بهذا الحجم من أول يوم، بل المؤكد هو مروره بمراحل وسلسلة أسباب جعلته يبلغ درجة من التفوق، فالمشروع الذي انطلق بنسخة تجريبية أواخر عام 2007 بفكرة وتجسيد مؤسسه محمد عبد الشكور وبمشاركة صديقه علي، إذ خطوا معه أولى خطواتهم مع صعوبات البدايات التي لا تخفى، فأمضيا معا تجربة ثم انفصلا بعد ذلك، وهذا من صلب تحديات المشاريع الناجحة، فلا نراه إلا اختبارا لقوة الرغبة في إنجاح مشروع يراه مؤسسه واعدا.

بعد مرحلة عصيبة دخل “فايلاتي” مرحلة جديدة استحق فيها الريادة بعد فترة من الكد والإصرار، فابتداء من 2013 فتح باب الاستثمار فيه، فوجد الفرصة ليتوسع وينطلق بالشكل والروح والرؤية الجديدة التي نراها به الآن، وهو مثال المشروع الذي قام بسواعد شابة طموحة، رسموا مسار الطريق واندفعوا بكل ما أوتوا نحن تحقيق الرؤيا، فكانت رؤيا حق بإذن الله.

مشروع كهذا أو غيره من المشاريع نستفيد من مسيرته الكثير، ونستلهم من سيرته الكثير أيضا، الجميل فيه هو طموح الشباب وقوة عزيمتهم ودقة هدفهم، فاجعل لك مشروعا تسري فيه روح البساطة، وتجري منه قوة الفعالية، فما حاجة السوق لمشاريع إضافية لما يعجّ بها دون هذين المفهومين، فكّر وخطّط جيدا… ثم انطلق مستحضرا خط النهاية، معتبرا لمستوى البداية، وبينهما هما وقودك نحو بلوغ الهدف!

أخيرا فرغم كل ما ذكر يبقى “فايلاتي” ببراعته وتفوقه في حاجة دائمة للنمو والتطوير، تحكما في التنافسية ومسايرة لمستجدات التقنية، فمن رأى فيه ما يمكن إضافته يراسل إدارته وبالتأكيد يسعدون بذلك، ففي هذا الإطار أيضا قد وفرت وسائل للتواصل، بالإضافة لمدونة لنشر آخر التحديثات والتعليمات التي تهم الزوار والمستخدمين.

موقع فايلاتي

صفحة الفيسبوك

حساب التويتر

—————————————-

(*) لمزيد من المعلومات حول الأنظمة السحابية بشكل مفصل يمكن الاطلاع على: عالم التقنية، بوابة الأخبار التقنية.

على الجانب: التدوينة كتبتها في إطار خدمة (كتابة المراجعات) عن طريق موقع خمسات.