عاش من عرف قدره، نسمعها، نكررها، ندعو من حولنا إليها، لكن هل وعيناها في أنفسنا حق الوعي؟ وهل جسّدناها في أفعالنا نحن حق التجسيد؟ معرفة قدر النفس تظهر في معاملات الإنسان مع غيره، وتختبر في علاقاته بمن حوله، ومن أهم مؤشراتها وشواهدها عدم استغلال المواقف استغلالا سلبيا خاصة في لحظات قوة أو سطوة لإحراج الناس، كما يمكن أن يكون الإحراج ملازما لطلب معين لم تدرس ظروفه جيدا.
غالبا ما يكون الشخص وديعا مسالما في حالة ضعفه وقلة حيلته وهذا منطقي جدا بل يمكن أن نعتبره بسيطا لا يحتاج لجهد كبير، لكن أن يحتفظ نفس الشخص على تلك الروح المتواضعة التي تشعر وتقّدر المواقف وهو في موقف قوة ومنزلة امتيازية فهذا ما ينبغي التحلي فيه بالحكمة وحسن التدبير، إذ كثيرا ما يسعى الإنسان لاستغلال موقفه كي يحرج غيره ويشعره بقصوره، إما من باب تأديبه أو تحقيق مصلحة معينة منه بدافع الاستغلال والمنفعة.
هذا خلق سيء يسقط به فاعله سقوطا حرا، إذ ليس من المروءة في شيء، وليس من الشهامة أبدا أن نهين شخصا آخر لا لشيء سوى لكوننا قد تفوقنا عليه في ميزة معينة، وما يدرينا -بل من المؤكد- أنه متفوق في عدة أمور أخرى ولو سارت الأمور بتلك الذهنية فسيرد بالمثل أو أكثر حين يمسك زمام الأمر ويجد نفسه في موقفنا الذي كنا فيه سابقا والأيام دوَل كما قيل، فلنتصور تلك الحالة إن تفشى هذا السلوك وصار تقليدا وعادة.
كثيرا ما جاء الإحراج من باب التحفيز في العمل فأدى لنتائج مخالفة تماما، أوفي قالب التأديب والتربية ظنا من صاحبه أن ذلك الشخص سيتعظ وينتهي مما يفعل، لكن الواقع جاء معاكسا مخيبا، وكم من موقف شهدنا ونحن صغار حينما يتم إحراج طفل مثلا بهدف تأديبه فيؤدي ذلك لانتقامه من نفسه أولا وممن أحرجه، فأما انتقامه من نفسه فيتمثل في تكرار فعله مما يضر به، أما انتقامه ممن أحرجه فيكون بالترقب وانتظار أي فرصة ليثأر!
كما أن للإحراج صورا أخرى كطلب أمر معين من شخص ما بإلحاح رغم تحفظه ومحاولة التهرب منه لأسباب خاصة به، فهنا لم نعمل بقوله تعالى: “وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا”، ومما سبق فلنعلم أن التربية الصحيحة والمعاملة الراقية، لا تأتي من باب الإحراج أبدا، بل علينا اعتبار إنسانية من حولنا وعزة نفوسهم وقدرها عندهم، ولنحب لهم ما نحب لأنفسنا… فعدم الإحراج في الأخير سلوك راق لا يتقنه ولا يحسنه إلا ذكي فطن حكيم!!
مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا