نعيش حياتنا ونطلب فيها الكمال، وتمر أعمارنا ولا نرضى فيها إلا بالأفضل والأحسن، وبين ما خيرنا فيه وما أجبرنا نستمد وقود شخصياتنا، وما اختلاف طبائعنا وتباين درجة تحملنا وتمايز ردات فعلنا إلا صورة لذواتنا في أرض الواقع، فنحن كأزواج لا نعيش لأنفسنا، ولا نطلب سعادتنا وراحتنا كواجب ومهمة من الطرف الآخر دون إسهام منا، وإنما هو تبادل وتناغم يستدعي منا لحظات من الشد والتوتر أحيانا وأخرى من السلاسة والعفوية كعادة وأسلوب حياة.

الزاوج مشروع العمر، ولعله أكبر مشروع يأخذ منا ذلك الاهتمام الكبير، ووجب أن يكون كذلك لأهميته وأثره في حياتنا نفسيا وروحيا، وإلا لما سمّاه الله عز وجل بالميثاق الغليظ، ومهما أخفى الإنسان مشاعره وتظاهر بغيرها مبررا ذلك تارة برقي مستواه وتعاليه لما هو أرفع شأنا وقدرا، وكذا بعدم اعتباره كأولوية لاختيار سيادي منه تارة أخرى، إلا أنه باختلائه بنفسه، ومجالسته لذاته بصدق يجد أن “الزواج” عنده من أوكد الضرورات وقد أخره عنه لظروف اجتماعية نفسية مغايرة تماما لما يصرح به مكابرة وأنفه.

من المفترض أن يتم القرار بشأن الزواج بعد تفكير عميق، وتخطيط محكم لضمان نسبة نجاح معتبرة منه إلا أنها تبقى يسيرة أمام التوفيق الإلهي، ولا يعني هذا إهمال معايير الاختيار كذات المنبت الطيب والحسن والجمال والحسب والنسب، لكن لا يعني هذا شيئا إن لم تكن الزوجة وكذا الزوج ذوو أخلاق فاضلة ووعي عال.

فبعد المساعي والمجهودات المعتبرة المعنوية والمادية لإتمام مراسيم الزواج فيما يرضي الله جل وعلا، تبدأ الحياة في أخذ مجراها الطبيعي وتعود وتيرة الأمل لتلامس الواقع وتتمازج معه فلا يكون بعدها ولا قبلها إلا ماكتبه الله وما أراد أن يكون، فإما وفاق وطمأنينة، وإما خلاف واضطراب، وهي طبيعة أية علاقة إنسانية مهما كانت، إنما الجهد الأكبر يأتي في التصرف بحكمة وفق هذه المسلّمة، وهذا بتوظيف الأخلاق بدرجة أولى، والعمل على امتصاص العقبات بوعي وإخلاص، ومن تمام الوعي الاطلاع والمطالعة والاستشارة بذهنية وقائية لا علاجية، فالوقاية دائما ما تجنب صاحبها السقوط وطلب النجدة وإرغام الناس على المساعدة وإحراجهم وإحراج نفسه بكشف عيوبه وأسراره، ومع ذلك كله قد يحدث ونحتاج للعلاج وهي سنة كونية وحالة صحية.

برؤية خاطفة لمن حولي أجدني أمام أنواع كثيرة من الأزواج والزوجات و الأكيد أن حالتي منهم أيضا، فهاذان يعيشان معا في بيت مستقل، وآخران فضلا العيش في بيت العائلة الكبيرة، ولكل من النموذجين إشكالاتهما ومغامراتهما، منها ما يسهل معالجته، ومنها ما لا يمكن تجاوزه إلا بحلول مؤلمة ظاهريا لكنها مفيدة فعالة في أثرها ونتائجها، ولعلي أتناول هنا أهم ما يتداول من إشكالات قد وقع أو يقع فيها أي زوجين.

  • هل يشكّل الزوجان لبعضهما أولية في حياتهما؟

لو طرحت هذا السؤال على أي متزوجين فلن أجد في وجوههما سوى حيرة من بداهة الجواب فلا يمكن أن يصرح أحدهما إلا بالتأكيد، فزوجتي لدي هي كل ما أملك، وهي تشكل لدي أولى الأولويات، وكذا الزوج بالنسبة لزوجته، لكن… هل في واقع الأمر هما كذلك؟ هل أفعالهما، تصرفاتهما، كلامهما وحواراتهما فعلا تعبّر عن ذلك؟ ربما في مرحلة الزواج الأولى نعم، إنما مع مرور الوقت تخفّ وتيرة الاهتمام، وتدخل في الخط بدائل أخرى، ليست بالضرورة من الإنسان، وإنما قد تكون بدائل معنوية (سهرات الأصدقاء، مباريات كرة القدم، الفيسبوك…) ففي هذه النقطة وجب التفطن لإعادة الأمور إلى نصابها كلما انحرفت، وعدم تركها للزمن يفعل بها ما شاء، فهناك من الأزواج من طبعه كتوم لا يصارح شريكه بإحساسه الفاتر نحوه، فيبحث عن بدائل أخرى ضمن أصدقائه الافتراضيين في الفيسبوك مثلا ليشكي له همّه ويجد فيه الأنس والسلوى.

  • الغيرة اللطيفة، والغيرة القاتلة!

وجود الغيرة في حياة الزوجين أمر طبيعي كنسبة السكر في الدم، مضر غيابها وقاتل كما هو في حال ارتفاعها، فلا لذة في حياة الزوجين دون غيرة، ولا معنى للحياة مع إنسان دون اهتمام، فالغيرة وليدة الاهتمام، والاهتمام روح العلاقة الزوجية، لذا فليهنأ بال كل زوجين يغاران على بعضهما غيرة لطيفة ذكية.

لكن قد تصبح الغيرة قاتلة عندما تتحول من مؤشر لقياس الحب والاهتمام إلى ميزان وجرس إنذار مخافة الخيانة، فغياب الثقة بين الطرفين يفضي بهما للانفصال مهما طال بهما الزمن، والانفصال هنا إما أن يكون حقيقيا أو شبه حقيقي، أي بالطلاق الإداري أو الطلاق العاطفي المعنوي، فيصبح الضحية هنا زوجا كان أو زوجة في رحلة البحث عن بديل ليملأ قلبه فالقلوب لا تتحمل الفراغ والضياع.

  • الثقافة والعلم أم الوعي؟

يعتقد الكثير من الناس أنه باقترانه بشريك متعلم مثقف قد خطى خطوات هامة نحو الاستقرار والكمال في العلاقة الزوجية، وهذا خلل في الفهم تفسره وتجسده حالات واقعية لا يمكن إنكارها، فأين الخلل؟ وهل الحل في الجهل؟

ليس الأمر بهذه البساطة، وإنما هناك عامل أساس في تلك المعادلة هو الوعي، فالزوج أو الزوجة الواعيان الجاهلان سيتعلمان، والمتعلمان غير الواعيين سيزددان حيرة وضياعا، أقول هذا لأن الوعي يؤدي لفهم المسؤولية والأدوار، وحينما أقترن بشريك وأدرك حاجاته فسأبذل جهدي لأوفرها، ومن جهته كذلك، ولكن حينما أكون متعلما مثقفا دون وعي فسأعتقد أنه عليه أن يواكب ويرتقي إلى علمي ولا أعتبر فيه إنسانيته وحاجاته وخصوصياته.

هنا أنصح أصدقائي باختيار الزوجة المتقاربة لفهمه وذهنيته، وإن حدث ووجدها فكل شيء يأتي بالتبع، ولكن أن يبحث الإنسان عن شريك متعلم فقط وحينما يقترنان يجد أن علمه وتعلمه أولى لديه من شريكه فهنا الكارثة التي تفسر بعدم التوافق، وضرورة الانفصال بمسميات علمية لطيفة، وكأننا أمام فك شراكة تجارية تعاقدية جافة.

 ————————

الزواج والعلاقات الإنسانية مزيج بين عدة وصفات عاطفية عقلية حدسية عفوية منطقية أخلاقية… من هذا جميعا نتنفس أجزاء النجاح لتكتمل الصورة أو تكاد…، والزواج مشروع يحتاج للمزيد من التبسيط العملي لا التعقيد النظري!

أكتفي بهذه النقاط هذه المرة فيما أواصل في جزء آخر لتفادي الإطالة، وأشير إلى أن ما كتبته هنا نتاج تجربة شخصية يحتاج للمناقشة وفك الرموز، فمرحبا بالمناقشات والاستفسارات لنستفيد جميعا…