في قيادة التغيير كُتب الكثير، وفي إدارة مفاصله قيل الكثير أيضا، هو عالم من الجرأة والتضحية والتوقعات والمحاولات، له تقاليده وأعرافه، له قوانينه ونواميسه، لا يحابي ولا يستثني.. فيه صرفت -ولا تزال- الكثير من الميزانيات، وبذلت الجهود البحثية من مختلف المخابر العالمية في الدول التي تحترم نفسها.
ما يحدث أمامنا ليس مجرد تحول بسيط، وإنما هي حركية متسارعة متنامية مندفعة، لم يسلم فيها أحد، ولا ينجو منها إنسان بذاته، ولا أسرة بحضنها، ولا مجتمع بهويته، ولا دولة بسياستها، ولا العالم كله بكل تخصصاته، قد ينتبه من يتبه وهم نادرون، إلا أن الغالبية لا تكتشف آثاره وتداعياته إلا بعد أن يحدث فعليا وتظهر نتائجه المخيبة أو المشرفة.
في مسيرة التغيير أصناف من الناس، من يصنعونه ومن يستهلكونه، من يتوقعون توجهاته ويتأقلمون، ومن يندبون حظهم ويرغمون على التكيف معه قهرا بعد الكثير من الأضرار والأذى، يلحقهم شخصيا ويلحق حتى مجتمعاتهم في بعض الجزئيات والظواهر الجنينية التي تبدو بسيطة، إلا أن لها تأثيرا قويا في الجذور تظهر تبعاته على المدى البعيد.
معيار الانفتاح والانغلاق على الآخر كان في الماضي صلبا وحتى اختياريا، إلا أنه صار اليوم أكثر تعقيدا، فالحواجز قد زالت وحلّت محلها الحدود الافتراضية التي يسهل اختراقها، ولم يعد الانكفاء على الذات متاحا في ظل الهلامية التي تسم الأفكار والقناعات في هذا العصر المركّب، مما جعل المجتمعات المحافظة المتحفظة عرضة لزوابع التغيير الخارجي الذي ينذر بخطر اندثار أجمل ما فيها، بخلاف التغيير الذي ينبع من الذات وينطلق من الداخل.
القوى الناعمة في العالم تعمل لصالحها على تهيئة أرضيات خصبة لغرس أفكارها وسقيها بعناية، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك بفعل المنصات الإلكترونية الكونية (Universal)، وقراءة واستثمار البيانات الضخمة التي يهديها لها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي مقابل تمتعهم بالخدمات المجانية التي تتيحها تلك المنصات المغرية الجذابة في شكلها ومضمونها وطريقة استعمالها، ونحن نرى نتيجة ذلك عيانا في التصرف والسلوك الشخصي والاجتماعي وحتى التجاري الاقتصادي.
لم يكن التغيير يوما عملية اختيارية، ولا خطة نطلق زناد افتتاحها متى أردنا، إنما هو بحر هائج تياراته جارفه، ونهر جار ورياح عاتية، لا ينجو منها إلا من أحسن قراءة الواقع وتفوق في التوقعات والخيارات واتخاذ قرار التحرك نحو الوجهة الصحيحة، وهنا يكمن التحدي، ويتطلب البحث المستمر، والجهد المتواصل بوعي عال بما تقتضيه المرحلة وفق سلم أولويات صارم لا مجال فيه للعبث والأهواء.
ربما لم تشهد البشرية من قبل موجة تغيير كالتي تحدث الآن!