حضر الجسد (1) وطافت الروح في أرجاء المكان (2).. مكان ليس ككل مكان.. دافئ.. عتيق.. عريق.. يكاد ينطق ويحكي..

دخله ذات يوم وهو شاب يافع مقبل على الحياة.. نزل ضيفا.. مغتربا.. طالب علم.. يلتفت يمنة ويسرة باحثا عن وجهته.. عن فكر يسنده.. وحضن معرفي يحتويه.. يتلمس الأركان ويتأمل الزوايا عله يقتبس النور ويلتمس الهدى..

دخله مرات ومرات بعدها.. قارئا.. مطالعا.. ملازما.. متعهدا.. راعيا.. مرافقا.. حافظ ود.. حامل أمانة.. وخادما كما يحلو له أن يصف نفسه..

زرناه معه مرات ومرات وشهدنا بل سمعنا منه كل مرة شيئا من تلكم الذكريات الحبلى بقيم ومعاني الوفاء والإخلاص والجد والاجتهاد.. والإحسان وبذل الخير.. وحب العلم.. واحترام العلماء..

زاره اليوم وأي زيارة كانت.. لم تكن كما سبق.. ولن تكون.. بعد خمس وخمسين عاما منذ أول زيارة.. منذ ثلاث وأربعين عاما منذ آخر أمسية قد خيم عليها حزن فراق شيخه الجليل (3) للأبد..

زار ذلك البيت وهو على كرسي متحرك (4).. تحركت مشاعره… واهتزت أشجانه.. فطفا منها الشيء اليسير بينما أخفت العيون وراءها الجزء الكبير.. وحمل القلب وتحمّل الوجدان مشاعر الشوق الفياضة لتلك الأماكن في زمنها الجميل وأهلها الطيبين.. ونطق اللسان وانطلق بفصيح العبارات وصدق العبرات..

يحن الإنسان لأماكن معينة.. في أزمنة محددة.. يستذكر منها ما علق في خلده من جميل المواقف واللحظات والمناسبات.. ولا يدرك عمق العلاقة وتجذرها إلا من عاصره وعايشه وأدركه.. وطوبى لمن خلقه الله للخير وأجرى الخير على يديه..

هنيئا لك والدي الحبيب هذا المرتقى العالي، وجزاك الله عن الأمة كل خير بما تركته من جميل الأثر في أبنائها.. هنيئا لك ما قدمت.. نسأل الله القبول.. وندعوه أن يبارك لك في أنفاسك وعمرك ويبقيك لنا فخرا وعزا وقدوة ومثالا..

مفتاح الخريطة:

1/ هو: والدي الحبيب

2/ المكان: البيت التي كان يقرأ فيها والدي للشيخ بيوض رحمه الله وقد لازمه 10 سنين إلى آخر لحظة من حياته

3/ الشيخ الجليل: الشيخ بيوض رحمه الله

4/ المناسبة: انطلاق الاحتفالات بالذكرى 100 لتأسيس معهد الحياة في القرارة، ولاية غرداية