راهنت يوما صديقا على هشاشة العلاقات وندرة الصافي منها والصادق المخلص، وكيف أننا نعيش عصر المصلحة الضيقة، والأفق القصير.. عصر يضحي فيه الصديق بصديقه بجرة قلم..
تناقشنا في الأمر طويلا، وتمسك كل منا برأيه مدافعا عنه بكل ما أوتي.. ولا غرابة فكل يحكي واقعه ويصف تجربته وفق خلفيات ومشاهدات..
مرت السنون والمواقف وتراكمت وتزاحمت.. لأجدني أمام واقع ناطق فصيح بما كنت أشاهد وأشهد عليه.. الصداقات مؤقتة تجمعها المصلحة، هذا هو الشعار العام.. والصورة المهيمنة، بينما يبقى النادر فيها ما يبنى على عوامل أخرى كأحلام وردية..
المصلحة تجعل عدو الأمس صديقا حميما.. لأجله يمكن هدم كل علاقة أخرى، بشكل مباشر أو غير مباشر.. وما الابتعاد والنسيان والانسحاب سوى مؤشرات عن هشاشة المنطلق وسوء النتائج..
تأملت حال الصداقة الدراسية ومن كنا نتقاسم معا أغلب لحظات أيامنا، وألقيت نظرة على أسماء كانت على رأس القائمة عندي قبل سنوات.. من كنا نعيش في نفس المدينة أو الحي أو العمارة.. من كان العمل يجمعنا.. أو المناسبات.. أو ميادين التطوع.. كيف كنا وكيف أصبحنا؟
ليس الإشكال في بعد المسافات، وكم من بعيد وقريب لازال ولازلنا نتبادل نفس الاحترام والشوق والعفوية.. إنما اللغز فيمن هو قريب لكن المصلحة انتفت، وسبب الصحبة اختفى، بينما انقلب خصما يرمي سهاما وينفث سموما كلما سنحت له الفرصة..
أشخاص بادلناهم أسرارنا فصاروا معاول هدم بها، مررنا لهم علاقاتنا فحذروا تلك العلاقات منا، سئلوا عنا فنسجوا إشاعات وخرافات لا أساس لها.. تجاوزنا أذاهم إحسانا فتمادوا أكثر.. همهم الانتفاخ وجمع المزيد من المزيد ولو على حساب غيرهم.. والمشكلة الأعقد أنهم يضحكون ويمدحون إن حدث والتقينا بهم!
التحدي أعمق مما نتصور.. كيف نعيش في زمن الصحبات الهشة؟ والعلاقات السائلة؟ وكيف ننجو منها كضحايا أو جناة؟
——
* مصطلح “السائل” استعارة من سلسلة المفكر الحكيم “باومان زيغمونت” مؤلف السلسلة السائلة الشهيرة.