الدنيا دار عمل وابتلاء، والآخرة دار حساب وجزاء، ونحن بين هذا وذاك نبذل حياتنا مبتغين رضوان الله تعالى، بإيماننا بالعقائد وقيامنا بالعبادات والإحسان في معاملاتنا، كما نطلب في نصيب آخر حظّنا من الحياة وملذّاتها في حدود ما شرع لنا وأباح ربّنا جلّ وعلا.

ومن مظاهر تحقيقنا لنصيبنا من الدنيا، ابتغاؤنا وسعينا في سبيل ظروف أحسن ومستويات أفضل من سعة الرزق، فكان التنافس على بلوغ المراتب، باختلاف الأهداف على شرط وحدة الغاية، فزينة الحياة الدنيا تنقلب سلبا إن نحن لم نحسن التعامل معها وبها، من هذا -والحياة عبر ودروس- نجد بعض البسطاء وحتّى الفقراء إذ تحسبهم أغنياء من التعفّف، سعداء راضين، في حين أنّ زمرة من الأغنياء تعيش القلق وضيق النفس رغم ما أوتيت، فما السرّ يا ترى؟

أرزاقنا تتباين وتتمايز بحكمة خالقنا عزّ وجلّ، في تسخير بعضنا خدمة للبعض الآخر، وتعزيزا لمعاني التعامل والتبادل والتكامل، وفي هذا اختبار لأخلاقنا، ومحكّ حقيقيّ لسلوكنا، فمن أوتي مقاليد أخلاقه سما بها للدرجات العلى وكان أسعد وأقنع وأعلم بقدرة الله ومشيئته عليه، فيعيش راضي النفس بما قسّمه الله له، ومن خسر رهان الأخلاق لم تكفه كنوز الدنيا، فعاش لاهثا، لا يجد ضالّة ولا يلقى منزلا.

سعة الرزق لا تقاس بالعدد، ولا بالنسبة، لا بالمظاهر ولا بالإمكانات، إنّما تتمّ في عمق النفس، فإن رضيت كان صاحبها في سعة من رزقه، وإن تذمّرت وتململت فالمشوار طويل حتّى نعتبره قد بلغ مرتبة السَّعة، وهنا العبرة بالمعنى والمغزى، ورغد العيش معادلة مركّبة لا تختزل في جانب المال فقط، بل أطرافها متعدّدة، وطرقها متلوّنة متنوّعة.

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه        فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

أحمد شوقي

بعد استيفائك للجهد معتبرا تقصيرك، واتّخاذك للأسباب متواضعا لله عزّ وجلّ، ارض بما قسّم لك من الرزق، واستحضر معنى القناعة، وتحلّى بخلق الإيثار، والإحسان، فرزقك لا ينقصه التأنّي وليس يزيد فيه العناء، إنّما رحمة الله توسعك، فتنال ما كتب لك منها، وفي سعة الأخلاق سعة الأرزاق، وفي ضيق الأخلاق ضيق الأرزاق.