عندما التقيت يوما مواطنا جزائريا مغبونا ينتظر شبه شقة منذ مطلع الألفية بملف ورثه عن جده الذي مات مترحما على من وعدوه بتلك الشقة الحلم الوهم… قال لي فيما قال: هل ما زلتم تعيشون في الصحراء بين الخيم وحولكم ماعز وجِمال؟ (ليتنا كذلك)..
لم أحمّل نفسي الرد شفقة عليه وعلى جهله المركب المنفوخ من وسائل الإعلام التي برمجته على ذلك التردد… فالصحراء ومدن الداخل في العالم المتخلف عالة وعورة يوارونها ولو كانوا يرضعون منها حليبهم الأسود الذي سوّد قلوبهم وألقى على عقولهم تلك الغشاوة…
بينما في بيئة أخرى تعتبر الصحراء ومدن الداخل أو الجنوب ثراء وتنوعا وفرصة وخيارا ضمن الخيارات لا أفضل ولا أقل… بيئات عنصرية كافرة لا تقسم الناس بناء على ترقيم لوحات سياراتها ولا لونهم ولا عرقهم…
تلك النظرة الدونية النامية من يوم لآخر قادها من في قلبه مرض وحفظ نغمتها ورددها مراهقو الإعلام بوصفنا باقي أرجاء الوطن في النشرات الجوية، وبالزواحف نحو الشواطئ في صحافة الصرف الصحي، وبموطن الأمراض وخطر يتهدد أبناء الشمال وجب تعقيمنا وفحصنا حسب قنوات وجرائد العار… وحتى المدارس لم تسلم من هذا “الميكروب”!
كانت الصحراء يوما رائدة وملاذا آمنا من خرافات الحداثة… حتى ذاق شيئا من التمدن والتحضر بنسخة مقلدة مبتورة معتلة… هناك ودعنا الكثير من الجمال… وفقدنا الكثير مما لن يعود ثانية…!