رغم أن الحدث مرّت عليه أيام إلا أنّه يستحقّ مقالة من سلسلة المقالات المخصصة للرحلة العلمية إلى قطر، فهو ليس مجرد مهرجان ترفيهي لتبذير الأموال وتصريفها دون أهداف واضحة، إلا أنه بحقّ فرصة لكل كبير وصغير في اكتشاف العالم البحري، وما يكتنفه من كنوز، كما حاولت شخصيا أن آتي للموضوع من زوايا أخرى كذلك.
خلال تجوّلي في أرجاء الدوحة ومعالمها كثيرا ما استوقفتني الإعلانات حول مهرجان بحري تقام فعالياته خلال تلك الأيام، فبرمجت زيارة له برمجة غير جادة، أو بالأحرى لم أحرص على أن يكون مزارا ضروريا كما فعلت مع غيره، فكانت زيارتي له آخر الأيام، وبالليل أيضا.
ما وقع أنّي حمدت الله على كوني لم أفوّت تلك الفرصة، لأن الحدث كان غير ما تصوّرت، وكطبيعة المهرجان باكتشاف أعماق البحار وأسرار الحياة المائية، كان هدفي من الزيارة أيضا اكتشاف خبايا المهرجان وتفاصيله بدقّة، فاستوقفتني فيه محطّات عديدة، أبرزها الأجواء التنظيمية، واللمسات الإبداعية في تسويقه، ومعاملة ضيوفه وزواره، إلى نشاطاته وفعالياته وما حوته من مفاجآت ولوحات تبقى في مخيلة الزائر لوقت طويل.
ولو آتي لتفصيل هذه النقاط واحدة واحدة سأخلص إلى مئات المقالات دون مبالغة، إلا أني أختصر وأوجز، فليس المكان مكان وصف فقط هنا، إنما لتحليل الأمور واستلهام الأفكار، وتجسيد الجميل منها والمفيد، لذا قرّرت تقسيم الموضوع لمقالتين، أولاها تكون وصفية لأجواء الحدث، وثانيها تحليلية لبعض التفاصيل.
في بوابة الدخول يوجد أفراد الأمن بابتساماتهم وترحيبهم حيث يخيّل إليك بأنك مقبل على وليمة عرس، عائلات كبيرة وصغيرة تتوافد للمهرجان، تعلوهم الابتسامات أيضا فلا يوجد ما يعكّر صفوهم ويسلب سعادتهم، اركن سيّارتك في موقفها بكل راحة أيضا، كل شيء باللافتات والإشارات، فلا تدخل مثلا شارعا وتصل إلى آخره ليرجعك موظّف غاضب بإشارة مهينة بيده، ولا ينهرك بلسانه الفظ، كل شيء سهل، والسهولة في التعامل كانت نتاج النظام الدقيق.
نصبت خيم كبيرة في أرض الشاطئ، منها ما خصّص للتكريمات كقاعة شرفية توزّع فيها جوائز المسابقات المتعددة والكثيرة كل مرة، وتوفّر فيها الإكراميات والولائم بسخاء، والحظ الكبير لمن صادف حفل تكريم خلال زيارته، ودخل تلك الخيمة المرتّبة ترتيبا فخما.
وخيمة أخرى عرضت فيها نماذج من الحياة المائية الحقيقة، بأنواع مختلفة من الحيتان والكائنات البحرية مع إضاءة وأصوات شبه حقيقية، حتى يخيّل إليك بأنّك تغوص في أعماق البحار، وأمام كل عيّنة يوجد الشرح العربي والإنجليزي، مما جعل إقبال الأطفال والطلاب ملحوظا عليها، منهم من كان بكاميرته يلتقط الذكريات مع سمكته المفضلة، ومنهم من أمسك بقلمه ودفتره يدوّن المعلومات.
وفي جانب آخر نصبت منصة جميلة لعرض الفقمات، بأسلوبها الرشيق الممتع، ومنصة أخرى مع مدرج لعروض منوعة تتناول تاريخ قطر وأجمل الذكريات مع عالم البحار، وفي رمال الشواطئ توجد لوحات إبداعية خارقة لمحاكاة قريبة جدا من الحقيقة، جسّدها فنانون لا تصدّق بسهولة كونها مصنوعة باليد إلا لما تشاهد الأمر بأم عينيك.
بالإضافة لذلك توجد الأنشطة الرياضية ككرة القدم الشاطئية والكرة الطائرة كبطولة عالمية تشارك فيها عدة دول، وفي زاوية أخرى تقدّم فرقا قطرية أهازيجها وطقوسها الشعبية التي كان يمارسها الصيادون قديما ومن لا يزالون لهذه اللحظة.
وفي خيمة كبيرة أخرى توجد معارض فنية تشكيلية لفنانين أبدعوا بفرشاتهم وألوانهم، كما يمكنك الاستمتاع بالمشاهدة المباشرة لفنانين من مختلف دول العالم يتناغمون مع رسوماتهم ولوحاتهم وفق ما تملي لهم مخيلاتهم الواسعة.
وفي البحر مباشرة يجري عرض النافورات الممتع، بكل إبداع وتناغم، فيكفي أن تأخذ مجلسا في الشاطئ وحيدا وتتأمّل في تلك المشاهد الجميلة، هذا فضلا عن وجود معرض سياحي لدولة قطر وكذا زاوية للمطاعم الشعبية المحلية والعالمية، وفي مكان آخر هناك استوديو لقناة قطر الفضائية والإذاعة كذلك، كلها تنقل أجواء المهرجان عبر المباشر أو المسجّل، وتبرز الثقافة القطرية العريقة وعلاقة المواطن مع الحياة البحرية، في عصر ما قبل البترول، حيث كان البحر مصدرا مهما من مصادر الرزق، غير أنه مؤخرا يكاد يصير مجرد هواية وترفيه فقط.
لا أطيل أكثر وأترك تتمة الموضوع للحلقة الثانية، أبرز فيها بعض اللمسات في الجوانب التنظيمية والتسويقية للمهرجان، فلم يكن الحدث سياحيا ترفيهيا فقط، إنما لكل عقل متدبّر فيه وفقات وفوائد يخرج بها منه، وإلى ذلك الحين إن شاء الله، السلام عليكم.
Comments (3)
السلام عليكم و رحمة الله صراحة الموضوع بل مواضيعك كلها ينابيع تقافة و اخبار … بالنسبة لية دمت يا غالي
يبدو ان قطر قامت ولم تقعد
كما لو انها دولة متقدمة وليست عربية نامية
اشتقنا الي قطر
وموضوعات قطرية عامرة بالهجة ولك كل الشكر علي مقالاتك الرائعة والثقافة النابغة منك
صلت وجلت بنا عبر خيالك الواسع في غمار الثقافة الإبداعية القطرية، هنيـئا لك وأن حظيت بهذه الزيارة البحرية ولنا أن نرجوا حضور المهرجان يوما ما، بالتوفيق لقادم أفضل.