قرأت من أيام قليلة كتابا رائعا جاء كحلقة ضمن عقد من موضوع أهمّني وشغل بالي كثيرا ولا شك أنه قد شغل بال الكثيرين، الكتاب بعنوان: “جبلنا الجليدي يذوب” والموضوع هو التغيير المؤسسي نحو الأفضل، فكل شركة أو مشروع تجاري يحتاج لخطوات كي يكون أفضل على كل المستويات، وينبغي لقائد عملياته ومن معه اكتساب جملة من المهارات ليكونوا أهلا للتغيير.
كلمة التغيير مثيرة غالبا وذكرها يجرّ لأذهان الكثيرين صورا ذهنية سلبية تجعلهم يتوجسون خيفة منها وممن ذكرها، لكنها إجابة حتمية لكل من يسعى للأحسن وظيفيا واجتماعيا، ماديا ومعنويا، فإن أردت نتائج مغايرة لما تحققه، ووضعا مخالفا لوضعك الحالي، فما عليك إلا ممارسة التغيير على مستوى الآليات، طبعا هناك ضريبة تدفعها، ولكن في الأخير ستحقق الهدف وتنعم بالثمار.
جون كوتر John Kotter سيد التغيير كما يعبر عنه والبروفيسور في كلية الإدارة بجامعة هارفارد، كتب ودرّب وقاد عمليات تغيير عميقة وجذرية ناجحة، والجميل المميز في مؤلفاته أسلوبه المبسّط لأعقد القضايا، فله مهارة تجعل القارئ يتموقع حول ظاهرة التغيير التي يعيشها، وفي كل فكرة من الكتاب يستحضر جزءا من إشكالاته التي يعيشها ويرى لها حلولا وبدائل، ومن بين ما ألّف هذا الكتاب الذي بين أيدينا، بالمشاركة مع Holger Rathgeber هولجر راثجيبر.
كتاب “جبلنا الجليدي يذوب، Our Iceberg Is Melting” ممتع أولا بغموض عنوانه من حيث العلاقة بالموضوع، وثانيا مشوّق بأسلوبه القصصي الرمزي من خلال الشخصيات المتمثلة في البطاريق وأحداث ومفاهيم مشفرة، إلا أنه لا يكفي أن نقرأه مسترخين مستمتعين فقط، بل كل حادثة من حوادثها تؤدي لفكرة ومغزى معين في عملية التغيير ولا يشعر بأهمية الكتاب ولا القصة إلا من يعيش فعلا واقعا يؤدي فيه دورا قياديا أو تشاركيا للتغيير من حالة إلى أخرى.
قبل الغوص قليلا في ثنايا الكتاب لابد أن أشير إلى أن موضوع الحاجة للتغيير لا يكون دائما حكرا على من بيده مقاليد القيادة في أي مشروع أو شركة تجارية مهما توسعت أو ضاقت، ولا يكون في عامة الموظفين ولو طالبوا به وجعلوه شعارا ومطلبا، إنما هي عملية تشاركية وحاجة ملحة ومجال بحث عن كل الأسئلة التي تدور في فلكه بداية من لماذا التغيير؟ وكيف؟ ومتى؟ ومن؟ ولماذا؟ وهؤلاء قلة من الموهوبين وأصحاب الفكر القيادي، ممن يهمهم أمر المشروع قبل أمرهم، ومصلحة الأفكار قبل مصلحتهم.
هؤلاء نخبة تلاقي كل أنواع الصعوبات في طريقها لأنها تهدد مصالح أشخاص معيّنين ومناصبهم وحظوظهم، فممن معهم سينعتهم بمثيري المتاعب، أو الباحثين عن مكاسب مادية ومصلحية كالشهرة والجاه، فيتهمونهم حتى في إخلاصهم ونيتهم، ويلاقون معارك خفية وعلنية من خلفهم ومن أمامهم، فإن كانت لديهم إرادة فولاذية تجاوزوا كل هذه العقبات ووصلوا بأنفسهم وبمن حاربوهم طول الطريق لبر الأمان، فيعترف بهم المنصف ويبقى من في قلبه مرض على غيه وتكبّره، ينكر ضوء الشمس في وضح النهار.
ولكن في نفس السياق هناك من يركبون موجة التغيير فيؤدون للهلاك، لأن هناك صفات وسمات، معايير ومقاييس لقيادة التغيير، فليست الكلمات والخطب الرنانة فقط من تجعل عملية التغيير وقادتها في الطريق الصحيح، وليست الوعود البراقة والمظاهر الجذابة بالتي تؤدي إلى الخلاص، كما لا تكفي الرغبة والحرص إنما هناك مهارات تكتسب بالتعلم وتحتاج لشروط معينة، وكلما كبر حجم التغيير كلما كان التحضير له والتفكير لأجله أكبر.
وفي حديثه عن التغيير فقد لخّص البروفيسور جون كوتر John Kotter العملية في ثماني خطوات، وفصّلها في مؤلف آخر بعنوان Leading Change قيادة التغيير، وما على الباحث فيها إلا الاطلاع والقراءة بتمعن وفطنة، ولزيادة التفاعل مع الكتاب وأفكاره التي جاءت فيه فقد وفر المؤلفان موقعا إلكترونيا خاصا بعنوان: OurIcebergIsMelting.com ستجد فيه أيضا قصصا لأشخاص عاشوا تجارب التغيير وحققوه فعلا، كما يمكن أيضا الاستفادة من موقع البروفيسور جون كوتر.
الكتاب متوفر بلغات عدة من بينها العربية التي نشرتها مكتبة جرير، وقد أشادت به الكثير من الشخصيات المرموقة في مجال الاقتصاد والأعمال وكذا السياسة ونشرت شهاداتهم حوله في الكتاب، كما كتب مقدمته د. سبنسر جونسون Spencer Johnson مؤلف الكتاب الشهير “من حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟ Who Moved my Cheese?“
أنصح بالكتاب كل من بيده مشروع تجاري يود أن يقفز به فقزة نوعية، وحتى من يود فهم منهجية التغيير كيف تسير وكيف يتم التعامل مع مقاومتها والعقبات التي تطرأ في الطريق، كما يقدم الكتاب أفكارا عميقة في إدارة الإعمال.
Comments (2)
من اجمل ما قرأت اعجبني كثيرا
فعلا الموقع دة متميز للغاية ، وأرغب في المزيد والمزيد من الموضوعات المهمة