المشاركة في المسابقات فرصة لاختبار الأداء، ولاكتشاف نقاط القوة والضعف، تبدأ بإعلان المنافسة وتنتهي بفائز أو أكثر، وبراسب أو أكثر، أرابيسك ليست من ذلك النوع في رأيي، فكل من شارك فيها خرج منها فائزا غانما، لو شاء واكتشف السر الكامن وراء ذلك.
أسدل الستار قبل أيام عن مسابقة أرابيسك لأفضل المدونات العربية، لتترك وراءها جملة أسئلة وانطباعات، منها ما جاء راضيا شاكرا للقائمين عليها، ومنها ما انطوى تحت السخط والتذمر، الأسباب تتغير من شخص لآخر، والنتيجة في الأخير أن المسابقة نجحت وكسبت الاحترام والتقدير بفضل الله أولا ثم بفضل القائمين عليها وأخص بالذكر الصديق الفنان معمر عامر.
النقد واجب وضروري لتطوير أفكارنا ومشاريعنا، ومن الجميل أن تجد من يطلب منك نقده ونصحه، لكن الأجمل أن تقابل ذلك الإحسان بما يفيد ويدفع بالمشروع للأمام، فالنقد لا يعني التركيز على السلبيات والنداء بها هنا وهناك، إنما المطلوب هو تسليط الأضواء على ما هو جيد لتثمينه، وعلى ما يحتاج لجهد أكثر ومعالجة أفضل وبيانه بصورة تجعل المعني بها يدرجها ضمن اهتماماته وقائمة اقتراحات التحسين في النسخ المقبلة.
اتخذت المسابقة هذا العام طابعا رسميا أكثر احترافية عهدنا مشاهدته في أرقى المسابقات العالمية، فقد جمعت خيرة المؤسسات العربية لدعمها ماديا ومعنويا، فكانت الشراكة مع حسوب، والرعاية الذهبية من TwitMail و Colomega فيما أسندت الرعاية الفضية إلى كل من عالم التقنية، والأصوات العالمية، وDZsecurity وKitbok مع بعض المساهمات الفردية أيضا، وارتقت الجوائز لتبلغ في مجموعها 1500 دولار، مما أسالت لعاب الكثيرين ممن شاركوا وضاعفت فيهم رغبة الفوز.
وبالنظر للجنة التحكيم أيضا نجدها مختارة بعناية، مجموعة أسماء ثقيلة في المجال، لها سمعتها الطيبة، ودورها الواضح في مجال التدوين، فهي بدورها قد أعطت نفسا وثقلا هامين للمسابقة، وأرى أن المسؤول عنها قد أحسن الاختيار في هذه النقطة، فأحييه وأحيي الحكام على صبرهم وجدّهم بهدف تحكيم شريف عادل.
أما عن موقع المسابقة فجاء سلسا مؤديا لدوره بعناية دون إفراط يضر به في شكله ومحتواه، ولا إجحافا في حقة يقصّر من عمله، ولعل الجدير بالذكر فيه خدمة التعليقات الموفرة أسفل كل مدونة مشاركة بغرض جمع الملاحظات والانطباعات حولها، مع أني لم أر في هذا الإطار إلا مدحا وإطراء ربما كان ضارا أكثر من نفعه، دون اتهام للنوايا طبعا، فكل كاتب حرف كان حسن النية إن شاء الله، إنما أرجو مستقبلا أن يلتزم القارئ العربي بقدر من الحرية والنقد الصادق أكثر مما هو عليه الوضع حاليا الآن.
وكنظرة شاملة لمسار المسابقة الزمني نجدها اتخذت سبيلا طبيعيا من أول خطوة لها لحين الختام بالتزام المرحلية واحترام حسن للمواعيد مع هامش تأخير في بعض المراحل، فكانت البداية بتسجيل المشاركة من المدونين أنفسهم، واختيارهم القسم الذي يودون المشاركة به بين المدونات المتخصصة والشخصية أو العامة، فيما تكفلت لجنة التنظيم بقبول أو رفض المدونات لأسباب معقولة طبيعية لا غبار عليها، فالمسابقة عربية لذا يشترط من اللغة المستعملة أن تكون كذلك، كما أن الجدية مطلوبة في الطرح والأسلوب وحفظ الحقوق وأصالة المحتوى… وغيرها من المعايير.
ثم بعد ذلك جاءت مرحلة التصويت، ليسعى كل مشارك بحشد سمعته وجهوده لحملة أشبه ما تكون بانتخابات مجلس الدولة أو البرلمان، فمن كانت له حظوة الشهرة نال النصيب الأوفر من الأصوات بغض النظر عن مستوى كتاباته ولا أسلوبها، بل تعدى الأمر ليكون التصويت عبر “تويتر” هو المعتمد، فكانت الحظوة مضاعفة للبعض وعديمة أو نادرة للبعض الآخر، ثم بعد التصويت جاء تأهل عشرين مشارك من كل صنف، لتدخل لجنة التحكيم مرحلة التقييم الفعلي والعادل، وظهرت النتائج في الأخير، ففاز من فاز، وندب حظه من كانت الجائزة هدفه وغايته.
القارئ يلاحظ تذمري ربما من طريقة التصويت، وهذه حقيقة لا يمكن أن أنكرها، مع أن الأمر لا يرقى للتذمر إنما نوع من التحفظ، رغم أنه كانت هناك إشعارات بوقوع مخالفات في التصويت تعهد القائمون على المسابقة بالتكفل بها والتعامل معها، لكن لم يظهر شيء في هذا الاتجاه والله أعلم، وإن سألنا عن الحل والبديل، أجدني أقترح خطة أخرى، أراها أقل ضررا، وأوفر عدلا وأبلغ لهدف المسابقة بكونها تكرم أفضل المدونات العربية وليس أكثرها جمهورا في تويتر!، فالطريقة لا تعدم خيار التصويت الذي يعتبر جزءا هاما من المسابقة لا يمكن إغفاله، لجدواه التسويقية، ولتحقيقه لفائدة التعريف بالمدونات المشاركة.
ففي الدور الأول أقترح أن تكون المشاركة كما هي مفتوحة مع تعديل طفيف في اختيار أقسام المسابقة إذ تكون من لجنة التنظيم نفسها، فقد لوحظت مشاركة مدونات متخصصة في القسم الشخصي والعكس كذلك، والحق يقال أني احترت في إدراج مدونتي واختيار القسم الأنسب لها، فلم أدرى إن كانت متخصصة أو شخصية! فمن الأفضل لو يعاد النظر في فئات الجائزة نفسها، كأن تقسم بين أكثر من قسمين.
أما عن قضية التصويت، فربما يستحسن لو لم يكن محددا بنسبة 100% إنما يترك المجال الأكبر لاختيار لجنة التحكيم، وغم ما جاء فيها من تحسين بإمكانية اختيار أكثر من مدونة، أعلم أن القضية صعبة والعمل كبير، لكنه ضروري لتكون المسابقة فعلا لأفضل المدونات لا لأشهرها، فاستجداء الأصوات والإلحاح على القراء والمعجبين بالتصويت للمدونة من شأنه أن يضرب مصداقية المدون والمدونة ويفتح المجال للعلاقات الشخصية للتصويت لمدونات دون قراءة ولو حرف منها، وفي هذا السياق فقد صرت مفتيا حسب رأي أحدهم، وخائبا في الأخير لمجرد أني سعيت في خدمة مدونتي ومدونته ومدونات أخرى!
إن كان ولابد للتصويت، فأقترح استحداث فئة جائزة الجمهور التي تخضع أساسا للتصويت لكن بعد تأهيل نصيب المرحلة الثانية وليكن كما هو بعشرين مدونة متأهلة، فبهذا لا تضيّع المسابقة نصيبها التسويقي، ومن جهة تكون المصداقية فيها بنسبة أعلى وأحسن، مع ذلك لا يمكن أن تبلغ درجة الكمال ورضا الجميع، ففي الأخير هي منافسة يطلب فيها أن يكون الإنسان شريفا راضيا بما تفرزه نتائجها، فنحن في الأخير نتحدث عن مدونة فائزة ولسنا أمام كرسي المُلك أو أغلبية البرلمان!
إعلاميا المسابقة لا زالت مظلومة، فلم أر لها تغطية تذكر في وسائل الإعلام الورقية أو السمعية البصرية، ولا أدري إن كان السبب داخليا أم خارجيا، لكن المفروض أن تمنح لها قيمة أكبر، والمسؤولية جزئيا يتحملها المدونون الذين هم بصلة وظيفية أو تعاقدية مع الجرائد والصحف، أرجو أن يستدرك هذا النقص مستقبلا، ونرى أرابيسك تتوج عناوين الإعلام وتدخل معادلاته كطرف مهم.
تحدثت في أول الموضوع عن الفوز في حالة التتويج وكذا في حالة الإقصاء والرسوب، وكتجربة شخصية فإني أرى مدونتي فائزة حينما لم تتوقف الزيارات من القراء عن طريق موقع المسابقة، وكذلك لجملة النصائح والملاحظات التي وصلتني لتحسين أدائي وتطوير المدونة شكلا ومضمونا، دون أن أنسى كم المدونات التي اكتشفتها وصرت أتابعها وأستفيد منها، ولعل أبرزها المتوّجة باللقب “مدونة معمل ألوان”، فالفوز في المسابقة لديه ألوانا كثيرة لو فقهنا، مع الاعتراف بأن أفضلها هو الفوز باللقب، والذي سيأتي يوما إن شاء الله (حالت بين تأهل مدونتي والدور الثاني أربعة أصوات فقط).
أعود لنقطة مهمة وأركز عليها، فالتدوين له غايته الأسمى، والمشاركة في المسابقات والسعي للفوز بها، وسائل وأهداف في الطريق لتحقيق تلك الغايات كإيصال الأفكار لنطاقات أوسع، إن جاءت فهي خير، وإن غابت فلنواصل العمل، ولعل أخطر ظاهرة تصيب بعض المدونين حينما يختل لديهم ميزان التمييز بين الوسائل والغايات، فإن صار الفوز بمسابقة معينة غاية في حد ذاته من التدوين، تأتي النتيجة في حال التعثر مخيبة، وعوض أن يعود المشارك لنفسه مقيّما عازما على الجد أكثر، يُحبَط ويتوقف عن الكتابة باحثا عن سبيل آخر يشفي به غليله وإن لزمه الأمر التغيير إلى تعلم الطبخ أو ألعاب الخفة السحرية والمشاركة في مسابقاتهما طمعا في جوائز وهكذا…!
هذه جملة انطباعات حول المسابقة حسب زاوية نظري الخاصة، لا تقلل شيئا من قيمتها، ولا تنقص من قدرها، فالعمل جبار والجهود كبيرة، ولا يستوي من في الميدان مثابرا مع من يصطاد العثرات ليكتب فقط، وأرجو ألا أكون من هذا النوع، فالهدف في الأخير ترقية أداء المسابقة ولو بكلمة طيبة، وكما جاء في فكرة المسابقة ودورها، فكلنا يدا بيد لإثراء المحتوى العربي على الإنترنت نوعا وعددا، فأهنئ كل مشارك في أرابيسك، وأضاعف التهنئة للفائزين، وأكثر من ذلك أحيي القائمين عليها، فهي في تطور مستمر ملحوظ، والقادم أفضل بإذن الله.
Comments (9)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
باختصار أقول: صدقا تدوينتك أخي جابر أفضل ما قرأت عن مسابقة أرابيسك..
موضوع التصويت هو النقطة الحرجة، ليس في مسابقة أرابيسك بل في كل مسابقة من هذا النوع، وبحول الله يجد القيمين عليها من خلال أفكار ومقترحات من قبيل المطروح هنا حلولا ترضي الجميع، أو بالأحرى الأغلبية لأن الكمال لله وحده..
دمت قلما خلاقا..
بما أنك يا طيب لم تترك الكثير ليقال عن المسابقة، فلن أضيف سوى أن ضعف تداول التكنولوجيا في بعض الدول يمنح أفضلية للمكان الذي يتواجد فيه البلاكبيري وحسابات تويتر على الماشي بكثرة، هذا حرم الجزائريين والموريطانيين و غيرهم كثير من المشاركة.
لا ينتقص كما أسلفت في تدوينتك كل هذا من قيمة المسابقة وتطورها و رسالة التدوين اليوم لا تقل أهمية عن أي رسالة سامية يتحمّل عبئها من يسعون لغد أفضل لأوطانهم.
سأعود للمرور والتعليق ربما فقد قلت ما أراد كثير قوله بكل فصاحة.
جميل ما ذكرت.. أؤيدك جدا في عدم اعتماد النسخ الفادمة من المسابقة على تصويت الجمهور 🙂
في الحقيقة إن المسابقة سمعت عنها بالصدفة .. فهي تحتاج إلى جهة إعلامية راعية على مستوى العالم العربي وكما تفضلت فإن هناك ثغرات كثيرة لابد من سدها حتى نرتقي تحياتي الصادقة
رائع تحليلك أخي جابر …. وأيضا من إجابيات المسابقة إكتشاف العملاق التويتر وخصوصا عند الجزائريين حيث الفايس بوك طغى على كل شئ فالكثير يسجل لأجل التصويت على صديق له وهنا ضرب عصفرين بحجرة كما يقول المثل حيث بالتصويط على مدونة ما تعرف على موقع التواصل الإجتماعي التويتر .
كلام جميل منك أخي الكريم ..
واتفق معك على كل نقطة ذكرتها ..
وأضيف نقطة أزعجتني كثيرا .. مدونتي في بدايتها كنت أضيف مواضيع عن الأفلام والبرامج المهمة للحاسب الآلي ..وعند مشاركتي في المرة الأخيرة تم رفض مدونتي بحجة هذه المواضيع .. وللأسف قمت بحذف تلك المواضيع مع الردود الكثيرة وتواصلت معهم من جديد ولم اجد أي تفاعل منهم .. فقط اذهب للموضوع الفلاني وقمت بقراءته .. بعدها قررت عدم المشاركة فيها من جديد ..
وشكرا لك ..
الأخ الكريم عبيد: لماذا سميتها برامج مهمة ولم تسمها برامج مقرصنة؟ يعني مسروقة.. لو كنت مكانك لشكرت كثيرا من نصحني بأن أتجنب مواضيع تجني لي الكثير من السيئات.. يجب عليك أن تقرأ جيدا في موضوع الحقوق الفكرية يا طيب، وتستوعبها جيدا، وتعلم حق الغير من حقك، وهل يحق لك أن تستعمل برنامجا ما من غير وجه حق، برنامج أو أي عمل تعب فيه الآخرون ثم عرضوه بمقابل مادي وهو حق لهم حتما، لتأتي أنت وتطرحه مجانا، ترى بأي حق؟ أأكد لك لو أنني فتحت مدونة لي وقمت بها بنسخ ولصق كل ما تنشره أنت من تدوينات بجهدك الشخصي لما راقك ذلك أكيد، فإن كان هذا حالك مع مواضيع تنشرها فقط، فماذا يقول من يبذل الجهد العظيم ويصرف المال الوفير من أجل برنامج أو غيره ثم يستعمله الغير بغير وجه حق؟ لنا يوم نحاسب فيه عند الله على كل ذلك..
عليك أن تشكر من نصحك، وجنبك الكثير من السيئات من حيث لا تدري، أما إن كنت تدري فتلك طامة أكبر..
تحياتي..
السلام عليكم الأخ جابر شكرا على التدوينة الرائعة. شرح جميل ومبسط وتغطية رائعة لفعاليات المسابقة. لقد قرأت عنها، وكانت فرصة لي للتعرف على مدونات رائعة وهادفة من بينهم مدونتك. أنا مدونة مبتدئة وهدفي من خلال تتبع نتائج المسابقة والمدونات، الإستفادة والإطلاع على تجارب من سبقني وله الخبرة في الميدان، لم أتصور وجود هذا الكم الهائل من المدونات العربية المتنوعة بحكم معرفتي الحديثة بعالم التدوين. أتمنى أن تكون لي مشاركة في هذه المسابقة في يوم من الأيام. شكرا لكم مرة أخرى والسلام عليكم.
هل ستكون هذه المسابقة دورية ؟