المقالات التي أكتبها والأفكار التي أوردها تأتي دائما بعد سبب يجعلني أقرر تناولها هنا، ومن بين مصادر القرار لدي ما يصلني من قراء المدونة مشكورين من استفسارات وتعقيبات تجعلني أبحث فيها لأستفيد بالدرجة الأولى وأفيدهم بالتبع، فحراك وتفاعل المعلومات ذهابا وإيابا يجعلها أكثر مصداقية وأقرب للتفعيل.
هذه المرة اختار سؤالا كثيرا ما ورد في المراسلات، وطرح في اللقاءات، وتداول في الأوساط، “كيف أكون مثله ومن أين أبدأ؟” ويحدث هذا عادة بعد الاطلاع على قصة نجاح معينة، وما أكثرها في الكتب والمدونات، وحتى أن الكثير من منشورات الفيسبوك وتغريدات التويتر لا تخلو منها حاليا، وهناك من علم كيف يستثمرها ويستفيد منها إيجابيا، وهناك من لازال حائرا أمامها، كما أن هناك فريقا آخر لم يقتنع بها ويعتبرها خيالا ووهما، وهذا الطرف الثالث لا يعنينا حاليا.
من أول المحطات التي أنصح بها كل من يود خوض غمار مشروعه الخاص، أن يقرأ كثيرا قصص النجاح (Success Stories)، يقرأها بدقة وتفصيل وليس مرور الكرام على جملة الإنجازات، لأن التركيز على محطات الفشل أفيد وأحسن إذ يجعلنا نتفادى الأخطاء، ونقتنع بضرورة الزلل قبل النجاح، وهذه من سنن الله الكونية.
فحقا لو تأملنا أغلب قصص النجاح التي نشرت للإثارة والمتعة فقط، وجدناها تمر على جملة إنجازات وترتبها زمنيا بشكل سريع، وهذا ما يوجد عادة في المقالات المختصرة، والتي تختزل مسيرة عقود من الزمن في عشر دقائق من القراءة بانتقائية تؤثر فيها سلبا، وهذا الأسلوب جعل السؤال المطروح سابقا يتكرر، ويزيد القارئ إرباكا ويأسا عوض تحفيزه وشحنه لينجز ويقتدي ولو بشيء منه، مبررا ذلك لاختلاف البيئة، ولتستقرئ -عزيزي القارئ- ما حولك لتجد الذهنية المنتشرة وبكثرة بأن أي نجاح لا يمكن أن يولد إلا في بيئة محددة، المهم ليس هنا فقط!
أما إن كان كاتب “قصة النجاح” منصفا دقيقا غرضه نشر المعلومة نفسها، وإفادة القارئ بما يزيد فيه، فإنه يفصل كثيرا ويبرز محطات الإخفاق ويركز عليها ويخرج منها بالعبرة، كما يفعل مع الإنجازات والنقاط المضيئة، وبهذا ينمي ثقة القارئ فيما يقرأ ويلمس في القصة واقعية وقابلية للإسقاط على أرض الواقع.
التعامل مع قصص النجاح فن وتمرس، وقراءة الكثير منها، مع الإسقاط الواقعي والخوض في المغامرات يجعلنا نفهم المغزى منها، وتتضح الصورة أمامنا من محطة لأخرى، فلا يعقل أن تقلد مشروعا ناجحا بحذافيره لتنجح وهذا مستحيل، فلا الزمان نفسه، ولا المكان، ولا المواهب نفسها ولا القدرات ولا الفرص، إنما تتركز الغاية من الاطلاع على قصص النجاح في الحصول على جرعة أمل وتحد لما يغلب فيه الظن بأنه مستحيل البلوغ.
قصص النجاح ضرورية لكل إنسان يريد تأسيس مشروعه الخاص، وتحقيق بصمته في مجاله كما يريدها ويحلم بها، فمما يجب التركيز عليه ونحن نطالعها المنهجية المتبعة في التعامل مع المشروع، وطرق التفكير، وكيفيات التصرف مع الأزمات والإشكالات المستجدة الطارئة، دون اعتبار لمجال المشروع أو تخصصه أو بيئته، لأن الصفة المشتركة فيها كلها أن الناجح من يصنع الظروف إن لم يجد ما يناسبه.
الخطوة الأخرى هي تحديد المجال والتخصص الذي تريد الإقلاع فيه، والتحديد يأتي عن اختيار، والاختيار لا يكون مزاجيا آنيا، إنما بعد تفكير طويل، واستعداد ذهني ذاتي، مع تحديد الأهداف منه، ووسائل ومراحل تحقيقه، وعادة ما تكون الأهداف الأولى وسائل لتحقيق أهداف أخرى.
ومن النصائح التي على أي مبتدئ في مجاله أن يأخذها بعين الاعتبار، ألا يثقل نفسه بالأحلام الكبيرة من أول وهلة كي لا يخيب أمله مع أول انطلاقة، كأن يلتزم بتأسيس فكرة مشروع شبكة اجتماعية تنافس “فيسبوك” أو “تويتر”، هذا أمر جميل ومشروع ومناسب لمن؟ لمن سبق له وأسس جملة تجارب ومشاريع صغيرة، فسيمكنه حينها الانتقال للمرحة الثانية بشكل طبيعي، لذا ففي التنافس علينا أن نضغ لنا منافسين يشكل معقول، وفي كل مرة نرفع سقف الطموح، والمنافسة ضرورية لكي تجعل نفسك دائما في مضمار السباق ولا تركن للزاوية من أول إنجاز.
يبقى في الأخير أن أشير إلى نقطة اللغة، وبيئة الناجح الذي كتب قصته التي تقرأها، فكما هو معلوم بأن كن نص ترجم من لغته فسيفقد بعضا من بريقه، لأن الترجمة الحقيقية ليست في الحروف والتراكيب اللغوية فقط، إنما السياق والمصطلحات والمعاني أيضا يجب أن تترجم، وهذا ما لا يمكن أن يتم بشكل كامل، لذا فإن وجدت الفرصة لتطالع قصة النجاح بلغتها الأم فقد اختصرت على نفسك الكثير من الطريق.
وفي الأخير اسأل نفسك… لماذا لا أعمل لأكون يوما ببصماتي قصة نجاح؟
————————————————————–
على الجانب:
- أشكر جزيل الشكر منتديات الجلفة أنفو الجزائرية على تشريفهم لي بجائزة المواقع العربية لهذا العام، والفضل لله ولكم قرائي الأعزاء.
- كانت لي مشاركة في مسابقة وطن للصور الفوتوغرافية في فيسبوك، التصويت لازال متاحا فقط سجلوا إعجابكم إن [أعجبتكم الصورة] 🙂
- أتشرف أن أكون عضزا في لجنة تحكيم تظاهرة “يوم التدوين الجزائري” يوم 19 جانفي 2013، أدعو الله السداد، ولكم بالتوفيق…
Comments (4)
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تناولت بالحديث نقطة هامة و لي تعقيب في ثلاث نقاط :
1- قد يسبب قراءة الكثير من قصص النجاح الفتور للقاريء و لذلك تأتي الكرة هنا في ملعب المدون في أن يختار الأسلوب المناسب.
2- الأمانة في الطرح و هذا أتفق معك فيه جدا ، فقصص النجاح الرائعة لا تأتي إلا من ظلمة الفشل في كثير من الأحيان ، و حتى يشعر القارئ أنه مهما كانت درجة عدم التوفيق لدية في تلك اللحظة يمكنه البدء من جديد.
3- أختلف معك في محدودية الأحلام، فلنحلم أبعد ما يكون هذا مطلوب ، و لكن مطلوب أيضا إيجاد الطريق المؤدي لهذا الحلم و تقسيم هذا الطريق لمحطات متصاعدة الصعوبة.
———————————————————-
ألف مبروك على نجاحاتك و تمنياتي لك بمزيد من التوفيق … شكرا لك .
موضوع جميل جدا فأنا من النوع الذى اتحفز عندما اسمع عن قصه نجاح لشخص ما
موضوع جميل جدا .. شكرا ^^
صراحة قصص النجاح محفزة .. حيث تساعد قارئها وتحزه لكي يصل الى مستوى هؤلاء الشخصيات ..
———-
اخوك : سفيان
بكل صراحة قصص النجاح وتذوقها هي تثير الهمم وتجعل للمصاعب طعم رائع بدلا من طعمها الحقيقي ويجعلك مستعدا للتضحية