ربما قد مر عليك هذا العنوان ذات مرة، واطلعت على مقالة شهيرة للكاتب السعودي فهد عامر الأحمدي، وكيف أنه حلل بأسلوب شيق ذكي ظاهرة اجتماعية شائعة لم يسلم منها أي شخص عاش نوعا من التميز والتفوق في حياته ولقي الدعم والتقدير خارج بيئته بينما لا يعترف به أقرب الناس إليه.
قرأنا مرارا في مواقف تاريخية ما يشير لذلك مثلما ذكر الإمام الشافعي في إحدى قصائده الحكيمة:
والتبر كالترب ملقى في أماكنه **** والعود في أرضه نوع من الحطب
وقرأنا أن “زامر الحي لا يطرب”.. وغيرها من الإشارات والبصمات الشاهدة على صحة الظاهرة، ولو أنها ليست دائما أمرا سلبيا كما قد يصور لها، فالإنسان كذلك بطبعه يميل لعفويته ويحن لحالته المجردة ونسخته الأصلية “بإعدادات المصنع” حيث لا ألقاب ولا صفات ولا تصنيفات مرهقة.
أذكر قبل أيام وأنا في أيام إجازتي ببلدتي التقيت في مناسبة عرس شخصا عزيزا أعتبره دائما في مقام علمي أكاديمي عال، وحين سلمت عليه وبادرته بصفته قبل اسمه “الدكتور” ضغط على يدي وهمس لي بأن اسمه يكفي دون تلك الصفة فنحن لسنا في جامعة أو مؤتمر، وهذا طبعا من تواضعه وتوازنه وتصالحه مع ذاته، وقبل ذلك اختياره وارتياحه لقراره.
الفكرة أني بقدر إعجابي بمقال الكاتب فهد وعزفه على الوتر الحساس لفئة كبيرة من الناس، إلا أنه من الجهة المقابلة هناك توظيف وتحمس واستغلال سيء لهذه الظاهرة ممن يفتقد فعلا لمؤهلات حقيقية ولم يبن قواعده المعرفية على أسس صحيحة ثم يطالب من يعرفه حق المعرفة بتجاوز كل ذلك واعتباره ضمن المتميزين، وهذا تجسيد صريح لشخصية “الذهنية الجامدة Fixed Mindset* التي حللتها وكتبت عنها الخبيرة كارول دويك وكيف أن أصحاب هذه الذهنية أشخاص قد يتفوقون علميا أو ماليا بطرق ملتوية ثم يواجهون حقيقتهم في اختبارات الحياة وينكشف مستواهم ليتظاهروا بالمفاجأة أو يلعنون واقعهم ويتهمون بيئاتهم.
القاعدة عندي أن يبحث الإنسان عن المجد في أعماله وإنجازاته وذاته لا في ألسن الناس، وأن يتوقع المتفوق أن يجد التقدير ممن يدرك معنى التقدير حقا، ولا يبحث عنه في فضاءات السوشل ميديا وإعجابات المعجبين، فرأي الجمهور العام فيك كما وصفه الواصفون: تستأنس به ولا تعتمد عليه!
- لقراءة مقال “كيفك يا ابن لطيفة“.