لبنان، تلك الدولة العجيبة التي جمعت بين ثناياها كل المتناقضات، حتى شاعت سمعتها وذاع صيتها كواحدة من بين أجمل الوجهات السياحية، رغم أزماتها الاقتصادية المتراكمة، ومتاعبها السياسية المتلاحقة، وهي التي لم تعرف الاستقرار منذ عقود، إلا أن كل ذلك لم يدفنها في التاريخ كما حدث مع مدن ودول غيرها، فما هو سر صمودها؟ وما هي الوصفة السرية التي احتفظت بها لبنان بأناقتها وجمالها؟

فجعنا اليوم بانفجار عنيف هز مرفأ بيروت، وانتشر الخبر في شبكات التواصل الاجتماعي بسرعة، لم نفهم السبب في البداية، حتى طالعتنا وكالات الأنباء بكون الانفجار قد حدث في مخازن كبيرة للألعاب النارية ومواد كيميائية، وأي كان السبب الحقيقي إلا أن الصور والفيديوهات فعلا صادمة مؤثرة، مع أعداد الضحايا والمصابين المتزايد، مما زادت للبنان ألما فوق الألم، وحزنا على الأحزان.

لم أحظ بعد بزيارة لبنان سواء للسياحة أو العمل، وقد كاد أن يتسنى لي ذلك من قبل إلا أن ظروفا حالت دون ذلك، وكنت أحرص كلما عاد صديق منها لأسأله مهتما بما رأى وشاهد وعاش فيها، وهي التي صدرت ولا تزال الفن والأدب، فضلا عن البحث في سر تألق اللبنانيين في التجارة الدولية خصوصا في قارة أفريقيا أو أمريكيا اللاتينية أو الخليج، ومن منا لم يقرأ كتابا من إصدارات دار نشر لبنانية؟ ومن منا لم يستمع ويستمتع بالطرب اللبناني الأصيل؟ فما سر كل هذا الثراء؟

في لبنان تسقط الكثير من النظريات التي يتداولها البشر، وتهتز الكثير من المفاهيم التي دأب عليها الناس، بالنظر لحجم الأزمات التي تثقل كاهلها، ومدى سير الحياة الطبيعية هناك بما يجعل كل زائر لها محتارا إذا كان ممن يقارن ويحلل ويحاول الفهم، فأين أزمات الجزائر من أزمات لبنان سياسيا واقتصاديا، وكيف هي النتائج والآثار هنا وهناك؟

عرفت بيروت كمدينة تاريخية وعاصمة للموضة والرقة والثراء والفن والأدب، وعرفت لبنان كوجهة سياحية رائدة، تجلب إليها العالم من كل أطيافه، رغم الغلاء الفاحش، وقلة الأمن أحيانا، إلا أن هناك سر وراء كل ذلك لا ندري حقيقته إلا إذا زرناها ربما..

أسأل الله أن ييسر لي زيارة إليها عن قريب، ولا أرجو أن يحدث كما حدث لي مع سوريا وقد أجلت زيارتها حتى انقلب الوضع فيها فندمت على ذلك التسويف.. ولو عادت الأمور كما كانت فلن تعود سوريا التي عرفناها للأسف..

حفظ الله لبنان وشعبها، ورحم الله ضحايا الانفجار..