في غمرة حياتنا اليومية، وانشغالاتنا الدنيوية، والتزاماتنا الدينية، تأخذنا مشاعر متضاربة تجتمع وتطفو بعد تراكم لجملة مكتسبات نقف عليها، إما جاءت بأيدينا أو قام بها من سبقنا، لنشعر حينها بنوع من الفخر والاعتزاز الذي ينقلب عُجبا مفرطا، مؤديا دورا سلبيا تجاه واجباتنا والتزاماتنا، فنغفو على وسادة أوهام تشكلت في جو من السراب.
ومن جانب آخر نجد الشعور بالدونية والسلبية في فريق من الناس، من كوننا لا نساوي شيئا أمام خلق آخر، في يأس مطلق يرسم في معالمه تذمرا من واقع مرير، أثّر بشكل أو بآخر في مسار الحياة، به يمثلون دور الضحية دائما، وكأنهم خارج الظاهرة لا دور لهم فيها ولا ذنب، ينكرون كل محاولة لزرع الأمل، ويعتقدون كل سير في ذلك الاتجاه ضربا من الخيال.
سواء كان الشعور الأول أو الثاني فكلاهما متطرفان يمينا وشمالا، يجسّدان سلوكاتنا، ويقرران تصرفاتنا شئنا أم أبينا، لننطلق منهما نطلّ ونسترق النظر في تجارب أخرى من غير بيئتنا، إما بخسا للإنجازات لحد التسفيه، وإما انبهارا لدرجة اليأس من بلوغ تلك المراتب أو جزء منها، وفي كلا السبيلين لسنا في الصواب.
بين هذا وذاك هناك الوسط، ففي كل تجربة إنسانية مهما سمت وارتقت، أو سقطت وخابت، هناك مجموعة ثقوب يتسرب منها وقود تقدّمها وتطوّرها، ويسعى أصحابها جاهدين لسدّها وترقيعها، وثقوب هذه التجربة مثلا ليست تماما ثقوب الأخرى حجما ونوعا، إذ أن أحسن وسيلة لسد الثغرات هو الاستلهام من التجارب الناجحة بنيّة الاستفادة منها، والتنبّه لمواطن القوة فيها وتعزيزها، والتغاضي عن نقاط الضعف وتجاوزها.
لا يوجد في تجارب العالم ماهو أفضل بصفة مطلقة، ولا ماهو أسوأ بشكل كلي جامع، إنما نسبيا هناك ما تتفوق فيه هذه التجربة وتخفق فيه تلك، والعكس صحيح، فالحكيم من فتّح حوارجه للاستلهام ساعيا وراء الحكمة يطلبها أنى وجدت، وإن امتلك من القدرة ما يبث به ما لديه من الخير فذلك نور على نور، خلاصة الأمر هنا هو التواضع من جهة، والتفاؤل بوجود الخير من جهة أخرى…
مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا