أحيانا نلاقي من المواقف في حياتنا ما يشعرنا وكأنّنا نعيش في ربع متر من الأرض على شساعتها وفسحتها، فبعضنا لا يمتدّ بفكره بعيدا ويعتبر قضيّته الأولى والأخيرة كلّ ما هو من سفاسف الأمور وأرذلها، فيغلق عينا ويغمض الأخرى، خائفا حتّى من ظلّه، وهذا ما يكون من ضيق الأفق.
الإنسان الذي يضيّق أفقه يسجن فيه ممّا يولّد بذلك أسرة ثمّ مجتمعا مسجونا منغلقا انغلاقا سلبيّا يهدّد كيانه ويستهدف سمعته وقوّته، وهذا يؤدّي كنتيجة حتميّة إلى نشوب صراعات داخليّة عميقة بذرائع واهيّة، وخصومات غائرة بمسبّبات ساذجة غبيّة، في حالة مرضيّة نادرة تتمثّل في وضوح مكمن الداء وصعوبة شفائه، فيما كان من الأجدر توجيه البقيّة الباقيّة من الطاقة والجهد لما هو أهمّ وأكبر ممّا يهدّدنا جميعا… فما الذي يوسّع الأفق؟
الاطّلاع على تجارب الآخرين أفرادا ومجتمعات من خلال الاحتكاك بهم بالتواصل والتبادل، أو السفر إليهم، أو حتّى القراءة عنهم، وكذا طلب العلم بخلق التواضع، والبحث باستمرار، ممّا ينفي عنّا الجهل ويجعلنا ساعين للتحسين من حالنا على الدوام، نريد المزيد ونسعى إليه، وهذا من شأنه أن يجعل منّا أشخاصا متقبّلين للآراء، مقرّين بالضعف، معترفين بوجود من هو أعلم وأفضل منّا غير متكبّرين في ذلك ولا منهزمين، نعرف قدرنا لا نزيد ولا ننقص.
وسّع أفقك واهتمّ بعظيم القضايا وأنبلها، واترك ما دون ذلك لمن هو أدنى، فما أبطأنا عن ركب الحضارة إلّا ضيق أفقنا، وما تقاعسنا إلّا لكوننا ضعنا في تصيّد زلّاتنا وترصّد حركاتنا لأهداف دنيئة، فما سمونا ولا قبلنا لمن معنا أن يحلّق في السماء… ألا لعنة الله على ضيق الأفق.