في حياة كلّ منّا فصول من التضحية، وجوانب من البذل من أشخاص حوله أحبّوه صغيرا فاجتهدوا وكدّوا ليتعلّم ويقوى على معترك الحياة وخباياها، كانوا كالشموع يذوبون، يضيؤون دروبه، ينتزعون منه الجهل انتزاعا، ويغرسون فيه بذور الخير وزاد النجاح ممّا يكون أحوج إليه في مستقبله.

لم نكن نعرف قدر كلّ هاته المعاني حينها، وهو يعلمها، يصابر معنا رغم قلّة محفّزاته إلّا من عزيمة وأمل تحذوانه لنكون رجال الغد كما يقولها مرارا، ننفع أمّتنا، ونرفع عنها ويلاتها، نصدّها عمّا يهدم كيّانها وندفع عنها ما يهوي بها للدركات، يقصّ لنا حديث الأمل ونحن نستمع إليه باهتمام مؤقّت أو اتنباه بارد عادة، نردّ له جميله بحملات منظّمة من المشاكَسات والمشاغَبات غير أنّه دائما ما ردّ بالابتسامة، وإن غضب مرّة، فسرعان ما يعتريه الندم، فيحنو ويشفق، مع كلّ ذلك غالبا لا نقدّر الأمور في حينها إلّا لما تغيّب وتمرّ.

هو أستاذي وأستاذك، معلّمي ومعلّمك، بل معلّمتي ومعلّمتك، لهم ندعو الله أن يثيبهم عنّا كلّ الجزاء، يرفعهم الدرجات بكلّ حرف تعلّمناه منهم، ويغفر لهم السيّئات عن كلّ إيماءة وجه بريئة منحوها لنا بصدق، كيف لا وهم مفاتيحنا حينما نقف أمام أبواب الرقيّ في مراتب الحياة، اللهم ارض عنهم وأكرم نزلهم، وارفع عنهم البلاء وارحم منهم من توفّي، وبارك في أعمار من لازال ينعم بحياته.

جهاد الأستاذ معنا ماهو إلّا أمانة لنبلّغها، فلنستثمر كرمه لنكون كرماء، ولنستفد من حكمته فنكون حكماء، ولنتذكّر إحسانه ونكون من المحسنين، ولنستحضر إخلاصه لنغدو مخلصين… فشكرا لك سيّدي من أعماق القلب.