في كل عام أعيش أياما خاصة وأخرى نمطية عادية، وهذا سبيل كل إنسان بالتأكيد، فمن المثالية أن نقول إننا نحيا كل يوم بطعم خاص ولو سعينا لذلك، ومن المبالغة لو جعلنا كل أيامنا لا حدث ولا شيء فيها يستحق الذكر والتوقف مليا، أما عني فالأكاديمية التي مرت منذ أيام مما سيبقى خالدا بما حوت وحملت من فوائد غزيرة لا أقوى حتى على حصرها.

حقا هي مدرسة، بل جامعة قد جمعت جميل المفاجآت في كل لحظة من لحظاتها، لا يمكن تصور هذه اللحظات إلا لمن عاشها حقا، وعايش محطاتها واحدة تلو الأخرى، سواء كان مشاركا أو من فريق العمل، فيما سيشعر المتابع لمجرياتها إعلاميا بوجود شيء مميز هناك، مادامت في قلبه بذور خير، يستبشر بالمبادرات ويبحث في كنهها قبل الحكم عليها.

كتعريف عن الأكاديمية فقد سبق لي وأشرت إليها في تدوينة سابقة، أما الآن فسأتناولها من زاوية نظر مغايرة لما كتبت عنها العام الماضي، لا لشيء سوى لتغير دوري فيها، وإحاطتي أكثر بتفاصيلها هذه المرة، إذ كنت متعاونا عن بعد ومسؤولا عن التغطية الإعلامية الإلكترونية فقط في الجزء الأول، أما هذا العام فقد أوكلت لي مهمة الإعلام والتسويق قبل وأثناء وبعد الأكاديمية، وأكثر من ذلك فقد كنت نائب مدير الأكاديمية، وهي مسؤولية تكليف حقيقية وقفت فيها على الكثير من جوانب قصوري لأحسنها، وتشرفت بفريق عمل مبدع متعاون لأبعد الحدود.

للقارئ أن يتساءل عن سبب كل هذا المديح لحدث كنت فيه من فريق الإدارة، فالأجدر أن أترك الوصف والحكم للمشاركين وإلا لكنت ممن يشكر صنيعه وفعله، وقد فعلتها مرارا حينما سئلت عن رأيي في أكاديمية نيو لإعداد القادة لأوجه السائل ليسأل مشاركا عوضا عني كي يكون الانطباع حقيقيا موضوعيا، لكني هنا أهدف لشكر نفسي وفريقي بقدر ما أود الإشارة لبعض النقاط المهمة مما شد انتباهي كتجربة تعد من بين التجارب الأولى، لعلي أفيد بها كل من يود تنظيم فعاليات شبابية ويبحث عن النماذج والمناهج.

بداية هناك ذهنيات يجب أن تتغير، وقناعات راسخة من الضروري التعديل فيها جينيا لتتحول إلى سلوك مغاير ومن ثمّ إلى نتائج جديدة غير مألوفة، فمن الصعب أن تقوم بفعل خارج سياق المحيط الذي حولك مع اعتبار الظروف والتكيف والتعامل معها دون نكرانها، ومن الصعب كذلك أن ترفع تحديات ليس لك من ورائها مكاسب مادية، وإن فعلت ذلك فمن الأصعب أن تجرّ معك فريقا من المبدعين كل في مجاله ليؤمن مثلك ويلقي إليك مقاليده تقوده كما شئت، وهذه أحسبها للقائد والمدير فقد أبدع فيها وأجاد.

نعلم أن وراء كل عملية تنفيذ ناجحة مرحلة تخطيط طويلة وشاقة، وجملة تحديات صعبة وجريئة، وفي مرحلة التنفيذ أيضا هناك بدوات وعقبات لا يمكن تخطيها بسهولة، إنما بالعمل الجماعي تنحني وتستسلم خاضعة، لذا فانتقاء فريق العمل المناسب له انعكاسات إيجابية على أرض الميدان، ولا أفضل من الاستثمار في رأس المال البشري الكفء الفعال لبلوغ مستويات مرموقة من الإتقان والإحسان.

هناك أيضا ما يعرف باستلهام الأفكار وتفعيلها وفق إحداثيات الزمان والمكان، فلا يأتي الإبداع من فراغ، ولا يتم الإحسان دون عناء، فعلى المنظّم لحدث مهما كان أن يتابع باستمرار تجارب مماثلة، يبحث في أسباب نجاحها وكذا فشلها، ولو تطلب الأمر منه تكاليف مادية بالأسفار والمشاركة في مختلف الفعاليات ملاحظا مدققا، يكتب ويسجل ملاحظات وأفكار يجلبها معه، ويستثمر المميز منها في أعماله وتجاربه، فهذه هي المكاسب الحقيقية من الأسفار وسعة الاطلاع والآفاق.

تساءل الكثير من المشاركين حينما وفّرنا مساحة للملاحظات والأفكار في زاوية من زوايا الأكاديمية عن مصدر كل هذه الأفكار والإبداعات، فالجواب بسيط ولو تطلب تفعيله جهدا كبيرا، هو أن الفريق منفتح على الأفكار فيما بينه في فترة معينة، ثم في مرحلة بعدها تم حصر الأفكار القابلة للتجسيد من باب الأولوية والإمكانية، وبعدها كان الأداء في الميدان سلسا منظما، بإنزال ما كان قولا إلى أرض الواقع فعلا، أما عن مصدر كل تلك الأفكار، فهي خلاصة تجربة اطّلاع وأسفار لأعضاء فريق العمل باختلاف مشاربهم ومصادرهم، فما أجمل الإبداع حين يجتمع في سبيل هدف أسمى وأرقى.

الملاحظ أني ركزت على فريق العمل، لأنه فعلا من أهم أسباب نجاح أية تجربة فحينما يكون متعاونا منسجما كل يعلم مقامه ودوره يؤديه بإتقان فإحسان، معياره الجودة القصوى لا يرضى بها بديلا، فهو يجتهد في سبيل راحة المشاركين ليستوعبوا بشكل أفضل، سواء كانوا في محاضرة أو دورة تدريبية، أو ورشة عملية، أو حتى فترة استراحة، فالعمل على الجزئيات هو الأساس بعد تغطية الكليات، مطبقا معنى الاحترافية تطبيقا فعليا لا مجرد ادعاء، حتى وإن وقع في خلل ما -وقد وقع- سارع لتصحيحه وتصويبه، ومن ثمّ الاستفادة منه لما يأتي.

يبقى أيضا أن أشير لمحتوى الأكاديمية أو المخيم أو الدورة أو الجامعة الصيفية… كلها مسميات تختلف والمغزى تقريبا واحد، فبعد كل الاهتمام بالشكل والمظهر لا يمكن أن نغفل ماهو أهم وهو المحتوى المعرفي للدورات التدريبية، فهو أساس ما يبقى لما بعد الحدث، وما سواه مساعد ومهيئ للاستيعاب، فالحمد لله كانت في مستوى التطلعات حسب المشاركين، وأشهد بالجهد المبذول فيه من أستاذي وصديقي المدرب إبراهيم بغباغة، ولا أشهد إلا بما عشت حقا.

وكذا خبراء الفعل الذين حضروا ولبوا الدعوة مشكورين وهم: د. صالح بوشلاغم و فريق إدارة ملبنة صافي، والاقتصادي الدكتور فارس مسدور، والوزير الأسبق عبد الوهاب بكلي، ورئيس الحكومة الأسبق الدكتور أحمد بن بيتور، والتقني الواعد حاجي كسيلة، وتحية خاصة للمشاركين الذين كانوا فعلا نخبة نفتخر بخدمتها ونرجو أن نكون في مستوى تطلعاتها، ففيهم الأساتذة والمختصين، وفيهم الطلبة والباحثين، كلهم أخلاق وتواضع، وتعاون وتفاعل مع مجريات الحدث، وهل للأكاديمية معنى دونكم؟

في الأخير أوجّه ثلاث رسائل…

  • أولاها لمن بقي حبيس العناوين والمسميات ولم يدخل لعمق التجربة أنصحه بالاهتمام باللبّ والاعتبار بأصل الأفكار لا مظاهرها.
  • ورسالة أخرى لكل من يئس من واقعه ولم ير الإتقان والإحسان إلا في بقع معينة من العالم أقول: في وطنك خير كبير فابحث عنه بإخلاص تجد السبل مفتوحة أمامك.
  • أما الرسالة الثالثة أوجهها لفريق عمل مركز نيو لتدريب القادة المميز وفريق إدارة الأكاديمية جميعهم أتوجه لهم بالشكر بداية بالقائد الملهم إلى أبسط من كان معنا، فقد أبدعتم وأحستنم، والقادم أكبر وأفضل، فلتكن شهادة الناس لنا زادا نضاعف به الأداء، ومن كانت شهادته علينا أيضا له شكر تحفيزنا للمزيد من الإحسان.

حمدا لله على تيسيره وفتوحاته، نسأله القبول والسداد… آمين

لمتابعة التقارير اليومية للأكاديمية من موقع [مزاب ميديا]

على الجانب: توضيح من مدير الأكاديمية بعدما وقع التباس في الصحافة حول الحدث [للاطلاع]

لمزيد من الاستفسارات حول التجربة أترك لكم المجال مفتوحا في التعليقات فمرحبا بكم…