ما أكثر المتعلّمين والمتفقّهين لو تعدّهم، ولكن ما أكثر المغرورين منهم والمتكبّرين، ممّن حازوا أنصاف المعلومات وأشباه العلوم، ظنّا منهم أن قد ملكوا الكون، وتحكّموا في مقاليد الحياة ودواليبها، فما أجمل أن يتواضع الإنسان ويدرك أنّه يزداد ثقلا كلّما نال درجة فما بالك بالدرجات.
يُضرب المثل بالنجم المنعكس على صفحات الماء في تواضعه، وبالدخّان في عليائه وتكبّره، فأيّهما أجمل أثرا وأبقى ذكرا؟ والناس بأخلاقهم مادامت داموا، وإن ذهبت هلكوا وسقطوا في مهاو لا قعر لها، فتاج الأخلاق التواضع وسرّها الاعتراف بقدر من له فضل ومنّة علينا، ومن مثّل الله تبارك وتعالى في فضله وكرمه.
أخي الإنسان اعلم أنّك مهما بلغت من الدرجات وتسلّقت من مراتب العلم، فأنت متعالم متفيقه مغرور لا تساوي شيئا إن كانت فيك ذرّة من الكبر، فتواضع لله ولمن علّمك، ولمن ربّاك وصيّر منك كما أنت، ولمن أنار لك دربك، وبيّن لك زلّتك، وبصّرك بعيوبك ووفّر لك تجربته تستعين بها كيفما شئت، لكلّ هؤلاء وغيرهم تواضع… بل تواضع لمن أنصت إليك وجاءك متعلّما دون غيرك فذلك في أصله فضل…!
ليست المجتمعات بحاجة للمثقّفين والعلماء -على حاجتها لهم- بقدر ما تحتاج للمتواضعين منهم، فخفض الجناح سرّ من أسرار امتلاك قلوب الناس وفتح عقولهم وفرض الاحترام عليهم، وكم من عالم -بمقياس البشر- ينفّر الناس بنظراته وتصرّفاته قبل كلماته، وكم من جاهل -بمقياس البشر كذلك- يسعى وراءه كلّ الناس، يفرشون له ويتمنّى كلّ منهم رفقته أو مجرّد ابتسامة منه فقط.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ على صفحات الماء وهو رفيعو لا تكن كالدخّان يعلو بنفسـهِ عـلى طبقات الجوّ وهو وضيع