تقوم قائمة المشاريع على أسس رئيسة هي الفكرة والإنسان والموارد المادية، ومتى توفرت هذه الثلاثية يمكننا اعتبار مشروعنا قد خطى أولى خطواته، إلا أن هذا ليس كافيا لنأخذ مكانتنا بين المنافسين، وننأى بعيدا عن المخاطر، فما هي إذن الخطوة التالية؟
مع تطور مجال الأعمال، وظهور بوادر مناهج ونماذج استثمار جديدة في كل مرة، وكذا سقوط مفاهيم ونظريات إدارية كانت تتصدر المشهد إلى وقت قريب، بات لزاما على كل من يقود مشروعا أن يكون مطلعا أكثر من أي وقت مضى على آخر المستجدات، اطلاعا حقيقيا بالحفر في المصادر الجادة، وعدم الاكتفاء بمنشورات أو تغريدات في شبكات التواصل الاجتماعي تأخذ غالبا شكل “الإشاعات” أو “المقترحات” أو يكتفي أصحابها بظل المعلومة دون أصلها فتؤخذ مبتورة مجتزءة.
يستحب في الاطلاع أن يكون مباشرا، وقد يكون بالوكالة في حال كِبر المشروع وعدم القدرة على الإحاطة بكل جزئياته، وهذا بتخصيص موظف أو قسم خاص للبحوث والتطوير، فمثلا في جانب إدارة العمليات هناك توجهات جديدة، وفي التسويق هناك رؤى وخططا حديثة أكثر نجاعة، وفي جذب الكفاءات البشرية والمحافظة عليها أكبر وقت ممكن أيضا هناك عدة وصفات جديدة غير التي ألفها الناس واعتادوها، وإذا جئنا لعلاقة الشركة بزبائنها فتلك قصة أخرى وجب إيلاء الأهمية القصوى لها في ظل المنافسة الشديدة وثورة المعلومات والتقنيات.
وعن الأساس الأول وهي الفكرة، فغالبا ما تكون منطلق تأسيس المشروع والدافع له، ولو لم تكن كذلك فلا بأس، لأن هناك من يمتلك المال ويبحث عن أنجع استثمار له، وفي كل خير إذا اتخذنا الأسباب المؤدية لتحقيق هدفنا من المشروع، لذا فقد تكون الفكرة نابعة عن تحمس وحلم جميل وقد أخذت شكلها في ذهن صاحبها بسبب موقف عابر، أو مجرد رقم وحيد مرّ عليه وهذا غير كاف، إنما الواجب هو التجرّد من العواطف -ولو مؤقتا- عندما نقيّم فكرة ونفترض نجاحها، فالشغف وحده ليس كافيا في مثل هذه المواقف.
يجب أن توضع الفكرة في بداية حياتها تحت الاختبار بإدخالها غرفة التحقيق الصارمة لتحديد نقاط قوتها وضعفها، وتعريضها لأسئلة افتراضية على شكل “ماذا لو؟، ماذا عن؟” والإجابة عنها كلها هو ما سيزيد من قوّتها ويعزز مكانتها، فإما أن يرشحها لتتوّج مشروعا ناجحا، وإما أن يجعلها تعترف من تلقاء نفسها بعدم قدرتها وحدها لقيادة المشروع وتحقيق الأهداف منها، وكل هذا لا ينفي جانب المجازفة واتباع الحدس في افتراض نجاحها بالرغم من معارضة كل الظروف لها نظريا، على أن تكون مغامرة مدروسة العواقب، وقد فعلها من فعلها ونجح.
إن كانت الفكرة هي روح المشروع، فإن الموارد البشرية هي العقل والقلب والجسد الذي سيؤدي الوظائف ويدير الأداء ويحقق الأهداف، وتوفير المورد البشري الكفء من أكبر التحديات المعلنة في عصرنا، فهي حقا أكبر مكسب يمكن الافتخار به حينما يحقق ما ينتظر منه، وليست المباني ولا الأموال الطائلة كما كان شائعا فيما مضى، لذا فالجهد الأكبر في التأسيس وما بعده يبذل في إيجاد السبل لاستقطاب الكفاءة المناسبة، ثم المحافظة عليها من النزيف نحو المنافسين، وهذا بالتقدير والتدريب واعتبار معنى الإنسانية فيها.
نأتي لآخر أسّ من أسس المشروع وهي الموارد المادية، وهي بمكانة الدماء التي تجري في عروق الجسد لتمده بالطاقة ليتحرك، فالوسائل المادية كلها ضرورة لتوفير بيئة عمل مناسبة نعم، إلا أنها ليست كل شيء دون ما ذكرنا سابقا، إنما ستنمو كلما كان الاعتناء بالفكرة والإنسان على قدر المقام، وفي مستوى الادعاء، لأن المستثمرين هم الذين يبحثون عن الفرص والمشاريع الناجحة ليضخوا فيها أموالهم ويكسبوا المزيد من المال، لذا فليكن اهتمامنا في تأسيس تلك المشاريع والفرص التي ستجذب إليها الاستثمارات.
بعد توفر الفكرة والإنسان والمادة، ومعرفة أهمية كل منها في قيام مشاريعنا، فالدور الآن على وضع الخطط المؤدية لتحقيق ما نصبو إليه من نتاج مادي ومعنوي، فالأموال في الأخير وسائل لسعادتنا وليست هي غاية الحياة، وانشغالنا بأعمالنا لا يكون على حساب صحتنا وأسرتنا.
العالم يتغير بشكل رهيب، والذكي من اتخذ موقعه ورتب أموره، وحدد سرعة التغيير ليتخذ مداره فيهتم باقتناص الفرص وصنعها، ولا يستنزف جهوده كل مرة في البحث عن نفسه وإعادة البحث عن مكانة له بعدما تفوته الكثير من القطارات فيصبح إنسانا مكدسا بالمعارف والخبرات والتجارب دون فعالية ولا نجاعة.
مقالة منشورة في موقع ساسه بوست