بين نهاية كل مرحلة حدث فيها الهبوط الفجائي الاضطراري، وبداية مرحلة أخرى لم تظهر معالمها بعد يسقط الإنسان في فجوة وجودية لا إحداثيات فيها ولا معالم.. يحدث التيه ويحل الضياع.. سواء تعلق الأمر بتجربة مهنية فاشلة، أو رحلة زواج متعثرة، أو علاقة عائلية مخيبة..

أثناء اتخاذ القرار بالتوقف، وقبل البحث عن ركوب قطار جديد.. تحدث الكثير من الأمور بكثافة عالية رغم قصر الوقت، وتتكدس الكثير من المشاعر والانفعالات وتنفجر رغم ضيق المدة الزمنية، ونادر هو من يحسن تجاوز المنعرج والتعامل مع التبعات، والتصرف مع الوضع القائم، وما يتوجب عليه فعله للتصحيح والتصويب، ثم الانبعاث من جديد..

يشعر الإنسان لحظة نهاية كل مرحلة بسقوطه في حفرة عميقة لا قعر لها، سقوط ظاهره السكون وداخل العقل صخب، وفي شرايين القلب ضوضاء لا يشعر بها إلا صاحبها.. يخيل إليه لوهلة بأنها نهاية العالم أمامه.. نهاية كل شيء.. نهاية النهايات..

تتنافس في ذهنه الكوابيس، وتتصارع فيه أفكار متناقضة، تعلو أمام العين خيالات شعارات وأسئلة وانطباعات وأحكام وإهانات تدور حول.. ماذا سيقول الناس عنه، وما ستكون ردة فعل أقرب الناس إليه.. وتلك الابتسامات المتهكمة المرسومة بخبث على شفاه الخصوم والمترقبين والشامتين.. يتوقع أن يهجره كل من كان صديقا له بالأمس..

هي لحظات مهيبة قد تطول وقد تقصر، أقصى ما يحتاجه المنكسر الغارق فيها.. كلمة طيبة، وجرعة أمل، ونصيحة غالية، وتواصل لطيف، وضمة حانية، وحزم صادق، ودعم مخلص، وحتى صمت حكيم.. ليسترد توازنه، ويتخذ مساره نحو وجهة أفضل ظروفا، ومسلك أكثر أمانا.. حينها تذهب غشاوة قلبه وضبابية نظره ويرى العالم بألوانه النضرة من جديد..

السقوط في فجوات الحياة سنة كونية يبتلى بها من يبتلى، كأس يشرب منها الجميع بأكواب مختلفة، وأذواق متنوعة.. ضربة قاسية تقوي الظهر إن لم تقصمه.. جرعة مركزة تزلزل الوجدان وتعيد ترتيب الكثير من الأمور مرة أخرى..

نسأل الله السلامة.. وندعوه أن يلهمنا الحكمة والرشد قبل الأزمات وأثناءها وبعدها.. وإن كنا ذات يوم في دور المنقذ، فإنه لا محال سيأتي اليوم الذي نعيش فيه دور من هو في حاجة للإنعاش والإنقاذ.. ومن أنعم الله عليه بفضل مساعدة غيره وحكمة تفهمه والقدرة على دعمه فقد حاز فضلا وخيرا عظيما.. وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم..

أيا كان الظرف الذي نعيشه.. في أرقى مصاف النعم والرفاهية أو في أرذل المراتب وقاع الحياة.. لنتذكر أن هذا الوقت سيمضي.. ودوام الحال من المحال!