نشترك عادة في تساؤلاتنا واهتمامنا بقصص النجاح، سواء كانت نماذج ماثلة أمامنا رأي العين، أم مما نطّلع ونطالع عليه هنا وهناك، فنذهب في اعتقاد جازم إلى كون ذلك الناجح، شخصيا أو جماعيا إنما بلغ ما بلغه بناء على وصفة سحرية، وسرّ من الأسرار المغلّفة بهالة من التكتم، أو منحة لا تعطى إلا لذي حظ عظيم، هذا الشعور يولّد فينا بإرادة أو غيرها الركون عوض التحفّز للعمل، ويبث في أعماقنا أغلالا تثنينا عن الجد والمثابرة لتحقيق المثل أو أفضل.
النتيجة في معالجة النجاح بذهنية الأسرار والهبات المبنية على الصدفة، جعل الكثير يرجع إخفاقاته للحظ، أما من فَهم المغزى جيدا فهو في تقدم وتطور مستمر، هذا المغزى يتمثل في تتبع سلسلة الأسباب المؤدية للنتيجة، إذ هي فعلا أسباب لا أسرار، تتطلب جهودا مضنية نعم، ولكنها مضمونة العواقب، هي دروب كل من سار عليها وصل، وكل من خطا خطواتها ودرج درجاتها احتفى بالفلاح، ورآه رأي العين وفق متتالية هندسية عجيبة، وجنى الثمار يانعة طرية.
هذه السلسلة من الأسباب نجدها متداخلة معقّدة مظهرا، لكنها فسيحة بسيطة في عمقها، فمن أخذ بها مجملة وبروح شمولية بلغ ما لم يكن في حسبانه، ووجد من الفتوحات الربانية ما لم يخطر بباله، فتبدو له إنجازاته من كل جانب، ومن حيث لا يحتسب، أما من أخذ بالأسباب مجتزأة منشطرة، فلا يجني إلا الوبال، ولا يرى إلا الحسرة بعدما تعب أيما تعب، وساق لنفسه العنت والمشقة دون طائل.
لكل تجربة ناجحة سلسلة من المراحل تتخللها عقبات وحلول، اجتهادات بإخفاقات تارة ونجاحات تارة أخرى، والذكي من تقرّب منها بنية استلهام المفيد منها من الأفكار، والتنبه للمحذور من المطبات فيها، والاستلهام يأتي بالجهد أيضا، كما يدخل في سلسلة أسباب النجاح كذلك، على غير التقليد الذي هو جرعة آنية سرعان ما تذوب محدثة بعض الجعجعة دون الطحين.
كنقطة عملية، حاول أن تدرس الظواهر الناجحة بمنظار العمق، وتحدد سلسلة أسباب نجاحها، مبتعدا عن تأويلها بالأسرار والحظوات، فما تركز عليه ستحصل عليه، ومن عمق التركيز التفعيل الميداني مسددا ومقاربا، والله هو الميسر والموفق!
مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا