يدور حديث هذه الأيام في وسائل الإعلام الوطنية حول موضوع مهم، فمنها من تفاءلت به، ومنها من أخذته بطابع السخرية والتهكم، كل ما في الأمر أنه وبعد طول انتظار أطلّ علينا وزير جزائري باعتذار، عن سوء أداء وزارته، وهذا ما لم يحدث أبدا على الأقل في ما أذكر.
وزير الاتصال الجزائري السيد ناصر مهل وكغيره من الجزائريين أصيب بخيبة أمل كبيرة من أداء اليتيمة في رمضان بسبب المهازل التي عرضت فيه من شركات هاوية لبست ثوب المحترفة ودخلت من باب غير الباب الذي يجب أن تدخل منه البرامج لتراقب ويقرر بشأنها أتعرض أم لا!، فلم يكف الوزير تذمر الناس حوله أو في وسائل الإعلام، بل وقد نال بعض العتاب الدبلوماسي من رئيسنا المحترم نفسه، يستفسره ويسائله بلغة: “وزارتك إلى أين؟” على غرار أصدقائه من الوزراء، وقد أمر الرئيس أيضا ببث انشغالات المواطنين عبر التلفزيون وهذا ما يقع فعلا اليوم، أما الوزير فقد خرج إلى الإعلام واعترف ثم اعتذر ثم وعد بالأحسن مستقبلا، فهل هي بشرى أم مجرد حقنة مهدئة سرعان ما يزول مفعولها بمرور الأيام؟
أطرح هذه الاحتمالات بشيء من التشاؤم بناء على ما مضى فكل مرة نسمع وزيرا يحدّث الصحافة إلا ويصف الواقع المرير بالجيد، ويعد بالأفضل، ومع أني لست ممن ينكر الإنجازات وإن قلّت، إلا أن الإمكانات المتوفرة والملايير الخيالية التي تصرف للمشاريع لا تعكس أبدا الصورة الواقعية، فحقا هي معجزة في بلادنا لما يعتذر وزير! وسيجّلها التاريخ له إن أثبت صحة ما قال.
وعلى نفس المنوال ننتظر اعتذار وزير الطاقة للانقطاعات الكهربائية المستمرة، وفضائح سوناطراك المتواصلة، ووزير الصحة لأحوال المستشفيات المتدنّية، ووزير النقل للغز الميترو المتأخّر، وزير كذا لكذا…، فالوزارات كثيرة والاعتذارات أكثر، ولو بقي الوزراء يعتذرون أعواما ما أحصوا ما يعتذرون منه، فكلهم قد واجهوا تساؤلات الرئيس لكن لم يكلف أي منهم عناء استدراك ما يمكن استدراكه، فعوض أن يقال الوزير بمجرد فشله في مهمة له، نجده ينقل لمهمة أخرى ليبدأ رحلة فشل أخرى، وهذا على طريقة “الي تعرفو خير من اللي ما تعرفوش”، إلا وزيرا واحدا يمكن أن أستثنيه وأحييه وأفتخر به هو الدكتور عمار غول، فأداؤه جد مشرّف، وبصماته في الميدان جليّة، وإن كانت هناك عيوب ونقائص فممّن حوله من بعض أنصاف الرجال، كما علي أن أرجع الفضل لإنجازاته لرجال أمناء من حوله أيضا، وهذا حتى لا أبخس الناس جهودهم.
عودة لموضوع اليتيمة، فكنت قد أشرت في رمضان لحال قنواتنا الوطنية المزري، ونعتته بالإفلاس، وهذا رأي غالبية من شاهد تلك البرامج باستطلاعات الرأي، هذا يؤدي بالضرورة أيضا إلى تدني أعداد المشاهدين المتواصل إلى مستوى متدهور، هروبا لغيرها من المحترفات، ففي وقت تتطور فيه وسائل الفضائيات وتتنافس وتتخصّص، نبقى خارج السرب بقنوات بدأت مفهوم التخصص شيئا فشيئا، وبدأت حركة التغيير تهب فيها بعدما أشعلت كل الأضواء الحمراء ولعل أبرزها هروب المستثمرين في الإشهار بأموالهم إلى قنوات أخرى كنسمة التونسية، وطيور الجنة الأردنية، والجزيرة الرياضية القطرية العالمية، وغيرها…
فإن كان دافع التطور وإعادة النظر ماديا فقط لا ننتظر الكثير من الاحترافية والتطور، أما إن كانت القضية بحثا عن الجودة وتوظيفا للكفاءة فهذا أمر آخر، سيجعلنا ننتظر قنوات وطنية جذابة بأتم معنى الكلمة، فلا العائق في الرجال ولا في الأموال، لما تملكه الجزائر من خيرات، وكل ما في الأمر تسيير حكيم من وزير بدأ مشواره على الأقل بخطوة صحيحة جريئة في واقعنا الجزائري، يبقى أن يتمم خيره ويعيّن الرجل المناسب في المنصب المناسب.
أما موضوع فتح القنوات الخاصة، ففي رأيي حاليا نواصل على نفس المنوال من قنوات وطنية متخصصة كالقرآن الكريم والأمازيغية وأخرى جديدة، مع تشديد الرقابة دون الإضرار بحرية الرأي، وما تبنيت هذا الرأي إلا لما شاهدت تجربة القنوات الخاصة في بلد عربي غير ناجحة بالمرة، فعوض أن تتنافس وتشرّف نفسها ووطنها، هوت ببلادها وجعلته أضحوكة العالم، فأخوف ما أخاف أن ننتهج نهجهم، أما إن قلنا أننا نتخذ تجربة أخرى ناجحة كأوروبا، فهذا يستلزم عدة شروط من بينها النضج الإعلامي في التسيير والأداء، ولا يمكن أن يتوفر هذا بقفزة مباشرة مثلما نريد اليوم، فلنا أمثلة في الصحافة المكتوبة وما يقع فيها من كوارث، وإن فتح باب الخوصصة في التفزيون سعت تلك الصحف نفسها بأموالها لتكون فضائيات ونشرت ما كانت تكتب بالصوت والصورة، فلنا أن نتصور حينها ما يمكن أن تبث، لذا علينا أن نصلح ما نكتب أولا، ثم نتحدث عن ما نبث.
الوزير ناصر مهل باعتذاره فتح صفحة جديدة مع الجزائريين عامة، والأسرة الإعلامية خاصة، وقدم وعودا كثيرة، وآمالا وشحنات من التفاؤل، فهل يمكن أن ينسي الناس اسم “اليتيمة” إلى الأبد، ويبدله مثلا باسم يدل على النسب والحسب؟ وبذلك نرى عودة إطاراتنا من الخارج، ونشاهد احترافية في الشكل والأدء والمضمون، لسنا مستعجلين سيادة الوزير، فقط أرنا حسن نيتك وصدق نواياك في ذلك وما علينا سوى الصبر وانتظار الأفضل مع الأيام، والموضوع للمتابعة…
Comments (2)
و الله عندك حق اول واخر وزير يعتذر
كل الوزراء يعملون بقاعدة *حوحو يشكر روحو*
السلام عليكم
ربما هو جميل اعتذار الوزير وهو شيئ نثمنه
لكن لو نصدق ما نقرأه من انطباعات الوزير بعد زيارته الاخيرة لليتيمة وخروجه لنا بذلك الاعتذار الذي لم اسمعه للاسف الشديد وذلك لعدم جلوسنا امام الشاشة اصلا …
قلنا أن انطباعات الوزيزر وحسب الاخبار الواردة في بعض الصحف كانت حول شكليات ومظاهر وجد عليها حالة اروقة التلفزيون وان كان نقده موجه لرداءة البرامج واعتذاره كان في ذلك الاتجاه , الا اننا نخشى ان ينقلب السحر علينا ونعود لنقطة الصفر فقط ….