عادة ما أخذت المدن اهتمامنا بمبانيها الفارهة ومعالمها التي يبدع فيها الإنسان، فأغفلنا جمال الطبيعة ولو لبعض الوقت، فكما يعتقد الإنسان كونه معمرا للأرض، ولكن حينما يزور أماكن مثل “وادي شاب” يكتشف ضعفه وتقصيره، وحاجته للخالق عز وجل، فالطبيعة طبيعة مهما كان صنع الإنسان.

“وادي شاب” هبة إلهية حباها الله أرض عمان الطيبة، فمزجت فيه مشيئته وقدرته مناظر غاية في الجمال والإتقان، من بحر ووادي، ونخل وشجر، وصخر وماء، وجبال شاهقة وممرات ضيقة وأخرى واسعة تتخللها، زائرها لا يمل، تجولا، وسباحة واستجماما في مياه عذبة طيبة، معتدلة باردة برودة لطيفة، “بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون”.

“وادي شاب” معلم سياحي آمن أمان البلد، يقصده الشباب خاصة لوعورة بعض مسالكه التي تعجب هواة الرحلات البرية، فكلما أوغلت الدخول في أعماقه زادت درجة الصعوبة فيها، مع ذلك وجدنا فيها بعض العائلات التي تحدت التضاريس، فالسياح هناك من بقاع شتى من العالم، الخيام حاضرة أيضا لدى بعضهم، وكل مستلزمات الرحلة الضرورية.

الوادي يبعد عن العاصمة مسقط حوالي 140 كلم ويقع في نيابة طيوي التابعة لمحافظة صور في المنطقة الشرقية للسلطنة، ويعد مقصدا مهما للسياحة الداخلية، اعتنت به الدولة كغيره من المزارات التي يكثر عليها الطلب، فشقت إليه طريقا سريعا وجسرا عاليا أضفى للمكان طلة جميلة ومنظرا بديعا، مع توفره على مصلى جميل، وما يكون معه من مرافق لفائدة زواره.

خلال زيارتنا القصيرة التقينا كثيرا بشباب عمانيين وخليجيين جاؤوا جماعات للاستجمام والاستراحة، بعيدا عن ضوضاء المدن وصخبها، وطلبا للهدوء والسكينة، وتغييرا للجو، فلا مهرب من الحرارة الشديدة سوى مياه باردة منعشة صافية في عز الصيف، مع أن الوادي يزار صيفا وشتاء وحتى في مراسم الأمطار إذ ترتفع نسبة المياه فيه، فالمكان دائما ما كان محببا لهواة المغامرة.

تبدأ الرحلة في الوادي بركن السيارة في مكان بعيد عن مجراه الذي يكون المد قد بلغ مداه صباحا، لينزل مساء، إذ هناك احتمالان إما السباحة وإما استئجار قارب صغير للذهاب في رحلة ممتعة قصيرة إلى الضفة الأخرى، ثم سيرا على الأقدام لمسافة طويلة في ممرات تتسع وتضيق بين الجبال الشاهقة، تعلوها المزارع وتتخلل الطريق كذلك من يمين وشمال، مع شلالات صغيرة أحيانا، ومسالك  جميلة لمياه للسقي تسمى في عمان بالأفلاج.

في الطريق توجد عدة مسابح طبيعية في كل منها جماعة يسبحون، إلى أن تعترض الطريق صخور كبيرة، تظن أنها النهاية، والمؤشر للعودة، إلا أن هناك فتحة ضيقة بقدر ما يمر إنسان واحد في ممر لبضعة أمتار سباحة  يضطر فيه لغطس رأسه في الماء ثم إخراجه في الجهة المقابلة إذ يتم الخروج في بهو بسقف طبيعي أخاذ، هو عبارة عن صخور كبيرة، سقطت من الجبل وسدت الطريق منذ زمن، وهو مسبح عميق جدا وطبيعي أيضا بشلال يتدفق إليه من الأعلى، الإشكال أن آلة التصوير هناك غير منصوح بها إلا إذا كانت مقاومة للماء، وإلا فلا سبيل لإدخالها إلا بالمخاطرة.

تلك المنطقة أجمل ما في الواد، فالسباحة فيها ممتعة جدا، والمناظر خلابة طبيعية ساحرة، فسبحان من خلق فسوى، قدر فهدى، الحمد لله الذي هدانا لذلك اليوم الجميل، وأستغل الفرصة لأشكر كل من كان السبب في حظوتي بتلك الرحلة الرائعة، ولمن رافقتهم، أهدي خالص التحايا.

وادي شاب مثال عن أمكنة سياحية كثيرة في سلطنة عمان، لاقى اهتماما من ذوي الأمر هناك، والجزائر بجوّها وتنوّعها الجغرافي السياحي تملك أمثاله بل وأكثر إن شئنا، فأين الإنسان الذي يعطي لهذه المعالم قدرها؟ وأين العقول التي تفكر للمدى البعيد؟ وأين الاهتمام والرعاية والصيانة والثقافة؟ وأين وأين؟ لا أتشاءم ولكن أتساءل، فهل من مجيب؟