زارني صديق ذات يوم وكنت في شوق لاستقباله في المطار كعادتي مع الأحباب، وبينما كنا في طريقنا إلى البيت وأثناء الحديث عن ظروف رحلته منذ لحظة انطلاقه إلى الوصول، سألني مستغربا.. هل الهدوء سمة فطرية أصيلة أو مكتسبة متكلفة عند أهل هذا البلد؟ أخبرني أنه سافر كثيرا وجال وصال العالم إلا أنه لم يعهد من قبل استقبالا كهذا في المطار، حيث الابتسامة والكلمة الطيبة نادران في الإنسان عموما قبل بزوغ الفجر، فما بالك بأجواء المطارات ومصلحة الجوازات..
وصلنا إلى الحي ولم تكن هناك مشكلة إيجاد مكان لركن السيارة، وفي الصباح تجولنا في المنطقة ولم يسمع مشادات كلامية، زرنا الشوارع التجارية ولم يشهد عراكا ولا خصاما، وبلغت دهشته وصدمته أوجها حينما كنا في مفترق طرق ولم ينتبه سائق سيارة فاصطدم بالسيارة التي توقفت فجأة أمامه، والقانون والعرف هنا ألا يتحركا حتى تأتي الشرطة، وهنا لم يتمالك صديقي نفسه ونادى على الضحية من نافذة السيارة، وأنت ألا تغضب؟ ألا تفعل شيئا؟ بعدما رآه ينزل بكل هدوء من سيارته ليطمأن كل واحد على الآخر، ولم يطلق من خلفهم أبواق سياراتهم ليفسحوا الطريق..
ربما قد ترون فيما قلت مبالغة أو لحظات مثالية من الخيال، إلا أنه الواقع وهي الحقيقة، وهنا جرى بيننا حوار معمق بين مقارنات، وتحليلات، وافتراضات، وخلاصات، هل هي التربية الحسنة تجذرت، أم هي القوانين الصارمة تسلطت، أم هي القيم الأصيلة تجلت، أم الأمر متعلق بالوسع والمساحة والشساعة في الشوارع والطرقات، هل للأمر علاقة بالعمران وهندسة المدن؟ هل ضيق الشوارع يولد التوتر ويشد أوتار الأعصاب، ووسعها يرخيها؟
استحضرت أجواء الأعياد والإجازات والمناسبات عندنا وما تشهده – رغم جماليتها- من زحمة للشوارع وتشنج للعواطف وتعثر لحركة السير لمجرد احتكاك أو توقف سيارة لأي ظرف كان، وكذا ركن السيارات في غير أماكنها، دون الحديث عن أسراب الدراجات ومناوراتها.. بين متفهم ومتعصب.. وبين متجاوز ومصر على الانتصار لحقه ونفسه..
لا شك أن الأسئلة أمام هذه الظواهر أكثر من الأجوبة، وتحسين الأوضاع مهمة معقدة.. ورحم الله الشيخ الناصر المرموري حين يروي قصته الخالدة ويختمها بوصية حكيمة.. في سعة الأخلاق سعة الأرزاق.. وفي ضيق الأخلاق ضيق الأرزاق..
والحكمة والأناة والسلام رزق!