كغيري من الجزائريين، ممن يتابعون مشوار الفريق الوطني وممن لا يفعلون ذلك، ففي الأخير هو فريقنا، فوزه يسعدنا وهزيمته تزعجنا، حتى وإن حاول البعض إخفاء الحقيقة بشيء من السخرية وادّعاء توقعهم النتيجة السلبية سلفا، ففي داخلهم حرقة وأسف مع تفاوتهما نسبيا…

الفريق الذي أخرج الملايين إلى الشارع، فرحين تغمرهم نشوة الفخر والاعتزاز، أصبح اليوم مصدرا للحزن، ومبعثا للسخرية، وسببا للشكوك بين أقرب متابعيه، لا لشيء سوى لكونه يخرج من الهزيمة تلو الأخرى، وممن؟  أفريقيا الوسطى.

لم أرد الكتابة عن هذا الحدث مباشرة بعد وقوعه كي أكون أكثر تحكما في الكلمات وكذلك لأجعل من مقالتي ذات فائدة ورسالة، فلست هنا لأسرد أحداث تلك المباراة المشؤومة، ولا لأقيم مستوى غزال، أو أعلق على ما قام به الحارس البارع مبولحي، بل أريد أن آتي للحدث من زوايا أخرى…وأقول:

وداعا يالخضرة، لأنك لم تعودي ذلك الفريق الذي “دار حالة” قبل أشهر فقط من اليوم…

أقول وداعا يالخضرة إلى إشعار آخر، لما رأيته من أسباب الشقاق ومقومات الانهزام الظاهرة لأي كان، فصحافتنا لم تعط فرصة للفريق كي ينمو طبيعيا، فأجرت له عملية قيصرية وأخرجته  مبكرا كبطل عالمي للرأي العام، وكفريق متكامل ومحترف وذو خبرة وعقلية فوز دون خسائر، وهذا ما لم يكن واقعا حينها لعدة أسباب طبيعية قد ذكرها المختصون مرارا، فالتعبئة الإعلامية مبالغ فيها، وتأهل الخضر للمونديال كان بعزيمة وتحدي، وليس بالضرورة بخبرة ومعرفة لكيفية تسيير أصعب الظروف، ظننا للحظات أننا وصلنا، لكن الطريق طويلة… فأكاد أجزم أنه لو لم تكن مصر في مجموعتنا العام الماضي لما تأهلنا، فمجرد وجودها بث روح العزيمة وعلينا شكرهم رغم كل ما فعل سفهاؤهم فينا، لكونهم السبب في ازدهار عدة أمور في البلد، من بينها الأرباح الطائلة من بيع الرايات والأعلام والأقمصة الوطنية!!

أقول وداعا كمتابع لكل الحيثيات، فلا أنكر أن مشوار الفريق الوطني العام الماضي جعل مني أتابع كل صغيرة وكبيرة، وكذلك لا يمكن أن أخفي ما كنت أنتقد فيه من اهتمام بالشكليات وإهمال للب، فلاعب مثل زياني أو يبدا قد اكتسبا احترام الناس صغيرهم وكبيرهم، فكان عليهما أن يكونا في قدر تلك المسؤولية، لكن بعدما ظهرا بتقليعات شعر غريبة أدركت أن المنزلة التي وضعا فيها كانت أكبر منهما بكثير، والكارثة أن عددا كبيرا من المراهقين قد قلدوا رؤوسهما ولم يفعلوا ذلك مع أرجلهما بعد أن كانا مثالهم الأعلى… دون الحديث عن غزال فهو أصلا سؤال كبير في المنتخب، أما شاوشي فلم أكن أنتظر منه خلاف ما كان عليه، رغم كونه يلعب في الجزائر، فماذا لو احترف في أوروبا؟ ولنتصور ماذا سيلبس وكيف سيكون مظهره؟، فعلى الأقل عزاؤنا أنه بقي مطمور ومغني وبوقرة لم نر منهم خلاف اللعب الجميل، دون أن تستهويهما الأضواء ولا العادت الغربية الدخيلة علينا. فهل ضاع حلم من أراد استثمار طفرة النتائج الإيجابية للمنتخب في مجالات أخرى؟

أقول وداعا لـ”الخضرة” إلى إشعار آخر، بعدما لم أجد فيه فريقا يفوز ويخسر كأي فريق، فلا نطالبه بالفوز فقط، لأن ذلك إجحاف وبعد عن المنطق، ولكن لكل خسارة مبررات معقولة، فهذا الفريق الذي قاده المدرب بن شيخة صوّرته الصحافة بثوب بطل العالم، ووصفته أكثر مما تصف به الفريق الإسباني ربما، ثم بعد المقابلة تخرج علينا  تلك الصحف نفسها بالوجه الآخر فكتبت إحداها عنوان عريض: “بهدلتونا” ولا تدري أنها هي من بهدلتنا ومرغتنا في التراب بعناوينها المراهقة ومحتواها الفارغ العفن، ولا غرابة كونها تسيّر من هواة ينحدرون كل مرة سبعون خريفا، فروراوة الذي كانت تصوره بالأمس بطلا، حملت ضده كل الأسلحة، نفاق ما بعده نفاق.

أقول وداعا لمتابعة مشوار منتخب “محاربي الصحراء”  لأنه لم يعد ذلك المنتخب الذي فاز على رفقاء دروغبا بعزيمة وعقلية جزائرية خالصة، ولا ذلك الذي تعادل مع إنجلترا بلعب جميل موزون، كل هذا بقيادة المدرب رابح سعدان الذي مازلت أعتقد بكونه لو اعتزل في قمة مشواره بعد المونديال كان حاله أفضل بكثير، فحظ موفق لبن شيخة إن أراد فوزا أو بطولة فعليه بفرض الانضباط والنظام أولا، مع العلم أن هذا صعب في محيط المنتخب حاليا بوجود صحافة تداهن وتنافق وتنتقد بغلو، فلا ننسى أن بن شيخة مازال في بداية المشوار ولا لوم عليه في أول مقابلة رسمية لم تسبقها أخرى ودية، ومع العدد المعتبر من الغيابات منها ما هو مبرر ومنها ما بقي لغزا إلى الآن…

فحاولي يا “نجمة” أن تجدي طريقة أخرى لكسب قلوب وجيوبنا غير الفريق الوطني، وتنفسي يا “جيزي” لأن أحد أهم أسباب انهيارك في بلدي في طريقه هو أيضا للانهيار…

قررت أن أعود لطبيعتي الأولى وأكتفي بمتابعة اللعب الجميل، فلن أعتزل مشاهدة الكرة ما دمت لا أجد فيها ما يدفعني لذلك، بل سأكتفي بمقابلات الدوريات الأوروبية، وروائع رابطة الأبطال، فلاعب مثل بوقرة أفضّل متابعته لما يكون بزيه الأزرق على أن يرتدي الأبيض أو الأخضر، على الأقل في الوقت الحالي.

ومن الآن أقول حظ موفق للمنتخب المغربي فكل رجائي أن يتخلص هو أيضا من مشاكله التي لا تحدث إلا في المنتخبات العربية، فالقصة نفسها مع اختلاف في الأسماء والأمكنة والأزمنة فقط!!، ولعل إقصاءنا المبكر كان نعمة لكونه سيفشل كل محاولات الإيقاع بين شعبين شقيقين بمحاولات مبكرة من بعض الجرائد الصفراء هنا وهناك، مع غياب تام للعقلاء الذين بيدهم قرار صد هذه الحملات الغبية القاصرة.