ينصح الوالد ابنه بانتقاء الصحبة الصالحة خوفا عليه من الزيغ والزلل، ويحذر الواعظ الشباب من الانسياق مع أصدقاء السوء وما لهم عليهم من ضرر، بل يربأ ذلك الواعظ من نفسه أن ينزل مقاما دون مقامه في تصوره، خشية أن تلصق به التهم، وتسير على إثر ذلك الإشاعات مدمرة سمعته وقبّته التي أفنى عمره يبنيها لسنين وأعوام، هكذا مع مرور الوقت تشكلت الجزر وتكوّنت، وانفصلت الفرق وابتعدت، كل حزب بما لديهم فرحون.

حتى من صار يكتب مرشدا حصر كتاباته فيمن يفهمه، وأضاف لمن له فرصة الحديث إليهم ما يكتبه أيضا، فلم يتوسع أثره مخافة فقدان ما يملك من جمهور ومحبين، ولم يضف جديدا إلى جديده حرصا على ما قد يقال فيه! أو بناء على قصر نظر وقلة حيلة في إيجاد وسائل تأثير تجذب ولا تنفر من بعُدت دائرته ونأى بجانبه هاربا أو حائرا أو مفضلا للغة أفضل وطريقة تفكير وعيش أكثر إقناعا.

حقا لو تأملنا لوجدنا أن الإشكال في ندرة الخطاب المتجاوز للحدود الضيقة الوهمية، فمن فهم المغزى من الدعوة بحاله قبل مقاله، وارتوى من معين الرحمة ونظر بها لغيره ممن لا يرى فيهم الاستقامة والصلاح، كان أقرب للتأثير الإيجابي، ممن لا يرى في مخالفيه إلا الانتقام والكره والوعيد، وكأنه بريء من ضلالتهم، وبعيد من أن يبتلى مثلهم.

البديهي أنه ليست هناك لغة واحدة وحيدة في الدعوة والتأثير، إنما الناس منازل، وإدراكهم متباين من فئة لأخرى، فإن نحن حذرنا من كل من يخالفنا الفهم والتصرف ولم نسع لخلاصهم ونجاتهم فمن لهم إذن؟ وإن نحن لم نفكّر جديا في تلك الفئة فمن يفعل إذن؟ لا خير فينا إن لم يهتدوا، ولا فضل لنا إن اهتدوا أيضا، إنما الفضل كله لله، وإلا فما الفرق بيننا وبين الشيطان إن فرحنا بزيغ إنسان عن جادة الصواب؟ لنفكّر ونتأمل جديّا!!

مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا