يسعى أي شخص يريد التفوق في تخصص ما أن يتعلّم ويعتمد مصادر مختلفة، كما عليه أن يلازم مختصا ويستفيد منه، هذا ما تحدثت عنه في مقالات سابقة بالنسبة لكل مصمم يريد أن يحقق حلمه ويجسد أمله ببلوغه مرتبة معتبرة تمكّنه من الاستفادة منها ماديا ومعنويا،كما توفّر له فرصة تبليغ ما تعلّم وإفادة غيره، فهل تكفي المعلومات والممارسة فقط ليكون الشخص محترفا في تخصصه؟

هناك سر من أسرار التمكّن من أي مهنة أو مهارة، وهو الذكاء وسرعة البديهة وحسن التصرف، إذ نجد من يمتلك هذه المؤشرات مجتمعة نادرا من جهة، وناجحا من جهة أخرى، فهو يستعمل حواسه كلها في معالجة أموره، ويستعمل ذكاءه، فماهو الذكاء في التصميم الفني؟ وهل هو مكتسب أو فطري؟ وكيف يتم التعامل به واستعماله من خلال العمل الفني؟

بداية لا يمكن الفصل بكون الذكاء والحس الفني مكتسبان كليا أو فطريان قطعا، فاختلاف القدرات العقلية التي وفرها الله عز وجل عند كل منا تجعل منا مستويات وأنواع من المصممين، وهناك بعض الاختبارات التي يقع فيها المصمم الفائدة منها تنمية حسه الفني، ولعل أبرزها:

  • السرعة في استيعاب المعلومة ثم استعمالها وتوظيفها في مكانها، فلو أخذنا تجربة مثلا بتقديم عدة معلومات لشخصين يريدان تعلم فنون التصميم، فلا ننتظر منهما نفس المستوى من الاستيعاب والفهم، وكذا توظيفها في أعمالهما بنفس الطريقة، فنجد أولا اختلافا واضحا في الفهم، ويمكن أن يأخذ أحدهما الفكرة معلّبة ولا يطبقها إلا في الأمثلة التي رآها عكس الآخر، لذلك عندما نركز على تعلم المهارات التقنية لبرامج التصميم، الغرض من ذلك ادخار رصيد كاف، واستعماله في وقت الحاجة، فحينما يُطلب منا تجسيد فكرة بتصميم فني، فالأكيد سيتخذ كل منا طريقا وسيستعمل تقنيات مغايرة، وبالتعبير عن الفكرة يكون بأشكال كثيرة، منها ما تجده معبرا برمزية ذكية، وفي وقت قصير، ومنها ما يلبث صاحبها أياما ولا يخرج بنتيجة موفقة.
  • المؤشر الثاني يتمثل في استعمال النظر والعين المجردة لاكتشاف عيوب تصاميم له أو لغيره، واستخراج نقاط الضعف فيها، كنقص التوازن مثلا، أو وجود خلل في ترتيب الأشياء أو النصوص، أو استعمال ألوان غير متناسقة، كل هذه الأمور يقررها عقل المصمم الذكي بسرعة بديهة كبيرة، وكأنه يحس بإشارات داخلية تنبهه لوجود خلل ما أمام ناظريه، أو هناك شيء في غير موضعه يجب البحث عنه.
  • هناك أمر آخر لا يقل أهمية وهو التعامل مع كثرة التصاميم في وقت وجيز، حيث هنا تظهر الفوارق بين مصمم متمرس وآخر مبتدئ في كيفية التعامل مع المواضيع واختلافها، فهذا تصميم لشركة أنابيب، وهذا لملابس الأطفال مثلا، كل في تخصص مستقل عن الآخر، أما إن اجتمعت عنده عدة أعمال في نفس الوقت، وفي نفس التخصص؟ فهنا يستعمل ذكاءه بتقسيم أفكاره بينها وعدم تكرارها بشكل واضح في كل منها، وهذه المهارة تأتي بالتمرّس والتطبيق المتواصل، والاطلاع الواسع.
  • أما قضية تصميم ماهو سلسلة، أو حلقات، أي أن يتم تصميم عمل له علاقة بما قبله، فعلى المصمم الذكي أن يربط الناظر لأي تصميم بما قبله، كأن يكون شكل ترقيم الأجزاء موحدا بينها، أو نوع خط العنوان، أو تكون الخلفيات موحدة شكلا، مختلفة ألوانا، وهذه الحالة تتكرر كثيرا في تصميم أغلفة الكتب، أو الإعلانات التي تأتي تواصلا لفعاليات سبقتها، فالمصمم بذكائه يحاول ربط الأعمال بمؤشرات خفيفة دون التأثير على جودة العمل، لأن الإفراط أيضا في ذلك يضر أكثر مما ينفع.

هذه بعض المؤشرات التي حاولت جمعها من خلال ما رأيته، فأي مصمم كان، لابد وقد عاش إحدى هذه التجارب أو كلها، والموضوع واسع للإثراء، فهذا ليس كل شيء، بل توجد اختبارات أخرى لذكاء المصمم، أرجو ممن يعلمها أن يكتب عنها هنا، والفائدة تعمّ الجميع.

الموضوع منشور أيضا في نقطة بداية