1- لماذا عليّ أولا فهم البيزنس مودل؟

يتداول رواد الأعمال منذ سنوات قليلة مصطلح نموذج الأعمال أو البيزنس مودل، ولا تخلو منه دورة تدريبية ولا مادة علمية حول تأسيس المشروع وتحقيق حلم ريادة الأعمال، إلى أي مدى تكمن قيمته؟ هل هو حقا مهم لهذه الدرجة؟

نموذج الأعمال ترجمة حرفية قد لا تؤدي المعنى بدقة، وربما الكلمة الأقرب هي خلطة، أو وصفة، بما أنها تحمل دلالات مزج الكثير من المكونات بترتيب معين ومقادير وكميات محددة، وهذا ما يفرز الاختلاف في تجسيد نفس الأفكار وتباينها في النجاح والفشل..

لم يعد السؤال الأهم الآن عن توصيف الفكرة في ظل الخيارات المتاحة والمصادر المفتوحة، ولا عن طريقة إنجازها كسؤال منفصل عن جملة من المعطيات الملزمة، والظروف المتوفرة.. لا يكفي إطلاق الأحلام وتصور سهولة التنفيذ دون الإحاطة الشاملة المستمرة بكل الأسئلة التسعة والخانات العمودية والأفقية التي يتطلب الإجابة عنها تجانسا ومنطقا وإبداعا وتفردا.

لم يعد التقليد طريقا معبدا نحو تحقيق النجاح والثراء كما قد كان سابقا ربما، ولم تعد للأسبقية الزمنية قيمة، ولا للحجم ولا لتوفر الموارد أفضلية دون خلطة خاصة.. الجهد الأكبر يبذل في صياغة بيزنس مودل مرن متميز ذكي يغطي حاجة ويحل إشكالا ويبدع حلا..

فهم البيزنس مودل والتدرب على طريقة صياغته وقراءته وتحليله وتفكيكه وإعادة تركيبه مهارة تكسبك نظرة خاصة غير التي يرى بها الناس الأفكار والمشاريع والإنجازات وحتى الإخفاقات..

2- الأداء المنتج والمشارك والمستهلك

يقاس النجاح والفشل في إدارة المشروع بعدة معايير، من بينها رقم الأعمال ومستوى المداخيل التي تحقق الأمان المالي للمشروع، فبها تدفع التكاليف الثابتة والمتغيرة، وتلبى الحاجات المالية من وسائل عمل وتجهيزات، فيما يسمى الفائض ربحا وهو المستهدف من وراء كل ما ذكرت..

مستوى الأداء ليس نفسه طيلة العام، إذ تعلو وتيرته وتنخفض لعدة عوامل منها داخلية ومنها ما هو خارجي عن المشروع، قد تخضع خدمات المشروع لفترات طلب كبير عليها في السوق، وفترات تشهد ركودا واستقرار، كما تتحكم في المبيعات حاجة وسلوك الفئة المستهدفة معها..

إذا قمنا بتقسيم الموسم التجاري بوحدة الأشهر، سنجد هناك ثلاثة أنواع منها، هناك شهور تستهلك رصيد الميزانية بسبب عدم تحقيقها لرقم المبيعات المطلوب، ومنها شهور مشاركة محايدة تلبي حاجة المشروع في التكاليف فقط ولا تحقق ربحا، بينما توجد شهور منتجة تغطي تكاليفها وتساهم في تغطية تكاليف شهور غيرها، وتحقق أرباحا فوق ذلك..

تتضح الصورة أكثر بعد مرور عام على المشروع على الأقل وتسجيل الملاحظات والتقارير بالأرقام والمؤشرات مما يمنح لنا نظرة شاملة على أهم فترات الازدهار والركود في السنة، تتركز وتقترب من الدقة من عام لآخر، بحكم تراكم التجارب والخبرات.

المطلوب ألا نتسرع في إطلاق الأحكام على مشاريعنا في مدة قصيرة، لا ننتشي بنجاح مؤقت، ولا نصاب بالاحباط جراء فشل ظرفي، العبرة بالمحصلة العامة للموسم التجاري، لذلك القليل من يصبر وينجح.

3- كيف نتعلم من الظروف الصعبة؟

لا تخلو مغامرة رائد الأعمال من اللحظات الصعبة، والمنعرجات الحاسمة في مشواره، فهناك من يستسلم بسهولة ويخضع للظروف متراجعا مبررا، بينما هناك من يتجاوز المشكلة تلو الأخرى وينتصر على العقبات والمطبات، يخرج منها بحال أفضل وعزيمة أقوى.

الظروف القاسية جزء من الرحلة في عالم الأعمال، قد تأتي على شكل جفاف السيولة المالية مقابل التزامات قادمة، وقد تتجسد في انسحاب شريك مهم في المشروع أو خيانة وتخاذل منه، وقد تبدو كشبح يترصد صاحبه بظهور منافس قوي ينمو بسرعة كبيرة ستعصف بمكانة المشروع في السوق وتهدد وجوده وحصته.

ربما كذلك تخيب المخططات وتخطئ الخطط وجهتها، لظروف داخلية أو خارجية قاهرة، وربما تتباطؤ النتائج وتقل وتيرة الشغف والحماس في الفريق، ربما تؤثر الظروف السياسية في مشهد الاقتصاد والإنتاج وبالتبع رقم الأعمال مقابل أكوام من التكاليف الواجب إنفاقها.

كلها عوامل إيجابية جدا إذا استثمرها رائد الأعمال لصالحه تماما مثل الشراع ورياح البحر، ولا يدرك الإنسان مدى قدرته ودرجة تحمله وقوة صبره ما لم تعتصره صعوبات العمل وتخنقه وتهزه من حين لآخر، وإلا صارت ريادة الأعمال مجرد لعبة في يد أي كان، حينها لا تسمى مغامرة، ولا تلبس ثوب البطولة، ولا تأخذ صورة التحدي.

لا وجود للشغف في ظل توفر كل الوسائل، وارتخاء حبل الظروف اليومية، ولنا أمثلة كثيرة في قصص النجاح التي جاءت بعد الدخول في أنفاق مظلمة، والغوص عميقا في محيطات الحياة بحثا عن جواهر حقيقية لا مجرد أصداف مرمية على الشاطئ.

4- لماذا عليّ تمرّس مهارات التواصل؟

يتساءل الكثير حول أهم الأسباب التي تؤدي لتحقيق الأهداف وبلوغ مراتب النجاح في إدارة المشاريع، يربطها من يربطها بتوفر الموارد، ويحسمها آخرون بالحظ والظروف، وقد يتصورها صنف آخر متعلقة بالكفاءة التقنية والتفوق المعرفي.

ما ذكر مهم جدا ولا يمكن إغفاله، بينما لا يشكل إلا جزءا من معادلة التحكم في خيوط اللعبة، لأن السر يكمن في فن التواصل، وحسن التعامل، بما أن المواقف تختبر شخصية رائد الأعمال وتفرز معاملاته نتائج إيجابية أو سلبية ترسم الصورة النهائية للمشروع وتحدد مساره ومصيره.

الاطلاع على مهارات التواصل ومعرفة خباياها لا يجعلنا بالضرورة في منأى عن مزالق وأزمات نحدثها بأنفسنا وبألسنتنا أو كتاباتنا، وهذا ما يقع فيه بعض المتحمسين نحو القمة بسلوكهم السيء وتعاملهم الفظ مع غيرهم ممن يفوقهم أو يماثلهم أو هو أدنى منهم مستوى وأداء.

التحكم في المسافة وإرخاء الحبل أو شده في المواقف اليومية للعمل مهارة لا يتقنها إلا الأذكياء، بها يحققون أهدافهم، وينقذون أنفسهم ومشاريعهم من الفشل والمشاكل، إذ لا تخلو الأيام من سهام تصيبهم، وتهم تلاحقهم، وطعنات في الظهر تعرقلهم، وحتى خلافات داخلية ترهقهم، مما يستلزم منهم تمرسا وتمكنا في التواصل.

كسب المعارك والخروج من المفاوضات بأخف التكاليف وأجمل النتائج والمكتسبات يتطلب ذكاء في التواصل، وقوة في التأثير، وحزما في المبادرة، وصبرا في حال الانسداد، وتنازلا في موقف التوسل، وتواضعا ومراعاة في حالة الإمساك بزمام الأمر.

5- كيف نستفيد من صعوبة البدايات؟

نظريا قد تبدو المغامرة في ريادة الأعمال ممتعة ومريحة، بالنظر لما يسوق لها في مقتطفات المحاضرات والعروض التحفيزية في أنحاء العالم، وبالخصوص ما يأتي من قصص النجاح المثيرة في وادي السيليكون، إذ تبدو الصورة عادة مغرية كحلم جميل يؤدي إلى الثراء والجاه.

الكثير يبدأ وينطلق، والقليل يصل ويحقق ما سعى لأجله، وسبب ذلك أن القلة من تدرك معنى البدايات، وتتحمل قسوتها، وتتجاوز غربتها، بما أن كل شيء فيها جديد علينا، وكل شيء يحدث معنا لأول مرة، رغم امتلاك الخريطة، ورغم اعتماد مبدأ المشورة والاستشارة، إلا أننا نحتاج للمس التجارب وتذوقها، لا مجرد شمها ورؤيتها.

هناك صنفان من الناس، أحدهما يرى لكل إخفاق وتعثر مؤشر استنقاص من قيمته، ومس بكرامته، وخدش لمرآته، وهذا الصنف قد يمتلك كل الموارد وتتاح أمامه كل الظروف، إلا أنه يفتقد لروح المغامرة، وحس المحاولة والاستمرار في التجربة مهما كلفه ذلك من ضرائب مادية ومعنوية.

أما الصنف الثاني وهو النادر نسبيا، يخوض غمار ريادة الأعمال في بداية مشواره بعقل منفتح وصدر متقبل للصدمات، وذهنية مرنة، وعزيمة صلبة، وقلب متسع للمحاولة والخطأ، بذلك يعتبر نفسه في مسار تعليمي صارم، يفيده كثيرا فيما يأتي مستقبلا من اختبارات ومواقف أكبر حجما وتأثيرا.

كل عمل وجهد خلا من المتعة هو مسار ناقص، وكل خطوة متشنجة مترددة ستهوي بنا للمزيد من الفشل، ولنستحضر بداياتنا في تعلم اللغة، وكتابة الحروف، وقراءة الكلمات، وتشكيل أفكارنا بالعجينة أو التراب، كلها تصرفات مستمرة طيلة حياتنا ولو تقدمنا في العمر.