معالجة المواضيع الاجتماعية عادة ما تأخذ منحى المناصرة أو المعارضة وتشكل الكتابات والطروحات موجات من الاستقطاب يمينا وشمالا، مع وجود فئة صامتة هي الأغلب عددا وواقعا، تمثل الجماهير التي تصفق و “تجمجم” وتسخن “البندير”، بينما يعلو صوت من يكون أكثر لحنا وأقرب تأصيلا.. بمشهد أقرب للحملات الانتخابية وعرض الحجج والأدلة.. بغض النظر عن الصواب أو الخطأ في كل ذلك.
الملاحظ أن القضايا تصبغ بلون التخصص والاهتمام، ولكل من هؤلاء آراء تنطلق من خلفيات تخصصاتهم (شرعي، سياسي، اجتماعي، تربوي، نفسي.. إلخ) يتخذونها كمداخل ثم ينسجون على ضوئها الخلاصات والنتائج إلى أن يصلوا إلى التوصيات العملية والنداءات التي يدعون المتأثرين المقتنعين بهم إلى تمثلها وتنفيذها.
قد يكسب أحدهم معركة الاقناع افتراضيا ويفتقد لآليات ميدانية، وقد يجلب بعضهم التعاطف والتأييد برهة من الزمن ثم ما يلبث صوت آخر يعلو من الجهة المقابلة ليقلب المعادلة بما هو أكثر إقناعا ويصبح رأيهم أمر واقع، وبين هذا وذاك تبقى الحيرة سيدة المشهد لعامة الناس ممن هو أبعد عن أدوات التحليل المنهجية ولم يكن مطلعا بما يكفي على القضية وجذورها ومآلاتها.. لانشغال الجميع صباحا بما يسترزقون به، ليعودوا في المساء لأحاديث السمر حول كؤوس الشاي وما يتبعه.
الكل يرفع شعار الغيرة على المجتمع، والكل يدعي الإخلاص فيما يقول ويفعل، والكل يتبنى الفكرة دون غيرها حبا للمجتمع وتعلقا به، الكل يجتهد ليحافظ على ما تركه الأجداد ويبدع في ذلك ويستحدث دائما في إطار المحافظة من الذوبان والاندثار كغريزة عميقة في الإنسان.
بعد كل هذا، وقبله، أعترف بقلة حيلتي، ونقص زادي، واتساع دائرة المجهول عندي، وأتخذ طواعية لنفسي مجلسا في آخر القاعة قرب “الأحذية” أنصت وألتزم الصمت، وأقر وأعتقد أنه مع كل ما يحدث، سيبقى الثابت في المجتمع هو التدافع، وستبقى المعارك، والتاريخ يسجل المواقف، وصدق من قال لي بعد نقاش طويل ذات مرة.