موضوع حساس جدا هذا الذي أود الكتابة عنه، وكأني أسير على حقل ألغام قد تنفجر إحداها في أية لحظة، لكن رسالة الكاتب هي الإنصاف، ولن أدخر جهدا في التعبير عن رأيي وفق ما يقتضيه الواقع وينقذ شيئا من حالة التردي التي وصلت إليها بعض الأمور، ولو أني لا أعلّق آمالا كبيرة على مجرد كتابات هنا أو هناك مقابل حرب كلامية مستعرة في مختلف المنصات الافتراضية، وأرجو صادقا ألا تنتقل إلى الميدان.
المطّلع على ما يجري بين الإخوة الأشقاء، وأبناء المنطقة الواحدة، والتاريخ المشترك، والشعبين المتقاربين لأبعد الحدود، وكل ذي ضمير حي، يتأسف فعلا، أتحدث عن الجزائر والمغرب، ولكوني جزائري، فسأحاول قدر الإمكان التحلي بالموضوعية ولو أنها مستحيلة في صورتها المثالية، إلا أني من عدة أبواب وزوايا وجهات لن أتخلى عن شعوري وأحاسيسي المتأصلة تجاه أحبابي المغاربة، ومنهم الصديق القديم، ومن أعتز بصداقته اليوم، منهم القارئ المهتم، ومنهم من أمضينا معا أوقاتا جميلة، حقكم محفوظ في هذه المقالة وغيرها ولا تتوقعوا مني غير ذلك.
أدرك جيدا أن لكل طرف ما يمكن أن يتهم به الطرف الآخر، وقد يتهمني بعضكم بالسطحية ربما، إلا أن ما لا نختلف فيه لحد الآن هو أن التشنج لن يخدم أي طرف، وقد بلغ الخلاف مستويات عدة فضلا عن السياسة والإعلام، إلى العلماء والجامعات والبحث العلمي، إلى الثقافة، إلى جماهير كرة القدم وهي أصلا أسرع وسيلة لصب الزيت على أي شرارة مهما كانت ضئيلة لتلتهم الأخضر واليابس.
منذ بداية عهدي بالتدوين اكتسبت معارف وعلاقات طيبة مع الأحباب المغاربة، ويسر الله لي زيارة إليهم قبل حوالي عشر سنوات، كانت من أجمل الرحلات، إذ لم أشعر بالغربة منذ وطئت قدمي أرض المغرب إلى أن غادرتها، تشرفت بضيافة أحباب كرام، وكل لقاء هناك كان ذكرى جميلة، كتبت عدة مقالات عن رحلتي للمغرب في مدونتي وصدرت مطبوعة ضمن كتاب “حقيبة سفر”، ثم تشرفت بالتعامل المباشر معهم كزبائن وموردين في التجارة هنا في سلطنة عمان.
السياسة في صدارة المشهد
الكل يعلم مكائد السياسة والسياسيين، ويدرك قيمة الخبر والمعلومة حينما تصدر كالرصاصة من تلك القناة أو تلك، وكيف أن الإعلام يوجّه المتلقّي الغافل نحو وجهته التي يريدها، فهذا لا يستغرب من عامة الناس وعوامهم، إلا أن المؤلم المؤسف في ذلك حينما يتبنى ذلك الخطاب الحاقد أحد المثقفين، سواء يبتغي من وراء ذلك مصلحة أم لا، سواء كان مدفوعا أو تطوع بمحض إرادته للدفاع والهجوم على من يعتبرهم أعداء وخصوم وهم من كانوا إخوة الأمس، وسيصبحون كذلك غدا، حينما يقرر ذلك أسياده، كما حدث ويحدث كل مرة بين الشعوب في أنحاء العالم.
في حواراتي هنا وهناك مع الإخوة المغاربة، ومنهم الدكتور الحكيم، والتقني المهندس الخبير، والتاجر الحذق الصدوق، نجمع كلنا على تجاوز موضوع الخلاف السياسي، فلا يرمي أحدنا الآخر بما ليس فيه، أو بما يكره، فقط ليشعر بنشوة انتصار زائفة، فلا الذين اختصموا قد أوكلونا ولا فوضونا بذلك، وحينما يتصالحون عاجلا أو آجلا سوف لن نحصد من ذلك شيئا سوى ما انشق من زجاج أو انكسر، وكما قيل: “كل شي يبرا غير كلام العيب اللي ما يبراش”.
من الكسكسي إلى الزليج
مؤسفة تلك المناكفات، والشطحات التي تصدر من حين لآخر ممن يدعي ملكية ذلك التراث أو تلك الأكلة، ذلك الفن ما كان منه راقيا وما كان تافها سافلا، حتى نقوش البلاط والزخارف لم تسلم من الشجار، كأطفال صغار في البيت الواحد، يتنازعون ألعابهم ويدعي كل منهم ملكيتها، إلا أن حقيقة الأمر واضحة لم تكن تخفى علينا منذ كنا ندرس في المرحلة المتوسطة أو الثانوية عن تاريخنا المشترك، ووجود تلك الآثار قبل الحدود السياسية الحديثة، لكن لحاجة في نفس يعقوب يسلطون الضوء كل مرة على شيء لتمرير ماهو أهم وأكبر على إدراك من يملك ذاكرة الذبابة.
هذا الأسلوب من التنابز والجدال حول موروثات ومكاسب ليس وليدة اللحظة، ولا يحدث بين شعوب الدول فقط، إنما هو بطاقة رابحة لإشعال أي فتنة بين أبناء البلد الواحد، وحتى أحيانا بين القرية الواحدة، وما أسهل إشعال فتيل الأزمات بين الثنائيات، الجزائر والمغرب، العرب والأمازيغ، الشرق والغرب، الشمال والجنوب.. إلخ، فمتى يتفطن الغافل؟ ومتى يدرك الطرفان أن المستفيد الأكبر دائما هو طرف ثالث يحرك الخيوط لتتحرك الدمى.
ماهو الحل؟
أمام هذا الوضع ما الحل؟ وكيف لصوت الحق أن يعلو؟ وما دور كل من يحمل هم الأمة، ولا يغمض له جفن حتى يرى العلاقات عادت لأصلها، وما ينبغي أن تكون عليه؟ وقد قالها يوما أحد الرواد لصديق له يشكو له تهجم قومه ومن خلفه على أفكاره ومعتقدات قومه هو، قال له: “أمسكوا عنا سفهاءكم ونمسك عنكم سفهاءنا” ولا أجد أبلغ من هذه المقولة.
أحيي جهود إخوة كرام من الجزائر ومن المغرب ومن دول أخرى شقيقة يساهمون بأسلوبهم في رأب الصدع، وتقريب وجهات النظر، سواء بالتحليل العلمي، أو الكوميديا، ولو كان فيها شيء من الغمز واللمز، أو من التحيز والقفز على بعض الحقائق التفصيلية، إلا أنه مما يمكن تجاوزه من باب خلاف الأشقاء، وسوء فهم عائلي بسيط.
Comment (1)
أحسنت وأجدت،
العالم أوسع وأرحب، وكلما توسعت ورحبت رؤية المرء كلما تقاربت وتلاقحت وتنقحت أفكاره وتهذبت سلوكاته و عظمت أهدافه. إن المتنابزين والمتناكفين جميعهم ضحايا لضيق المكان والزمان والحال و غموض الأفق…
ولذلك -بعد مدة- سيضحكون آسفا و يبكون تهكما على ما اقترفوه في حق أنفسهم وإخوانهم وأوطانهم وتاريخهم، بسبب نزوة عابرة عرَف بعض الأغراب عنهم وكثير من الأعراب منهم كيف يذكون نارها وينفخون في كيرها… سينهي الأمر يوما.