استحضرت وتذكرت مؤخرا كتابا رائعا بعنوان: شكرا لأنك تأخرت للمؤلف توماس إل فريدمان، والذي كان محور حلقات مطالعة جماعية في الجزائر قبل سنوات مع ثلة من الأصدقاء الأفاضل، قرأنا منه شطرا بينما واصلت فيما بقي منه بشكل فردي بعدها، فكان حقا من ضمن الكتب الملهمة لي إلى اليوم.

في ظل العالم المتسارع، وتراكم الأحداث، وتزاحم المستجدات، بما تفرزه تغريدات شبكات التواصل الاجتماعي ومنشوراتها العاجلة حتى صرنا إلى حالة متأزمة من الترقب والتعامل مع العاجل المستعجل رغم عدم أهميته غالبا، ونتج عن ذلك انشغال مزيف، حقيقي وما كان مجرد تظاهر مسايرة للموجة والموضة فقط، وكأن البطولة في الانشغال الكمي بدل النوعي.

فكرة الكتاب بسيطة وجميلة رغم عدد صفحاته الذي جاوز 500 صفحة، فنحن غالبا ما ننزعج عندما يتأخر من تواعدنا معه، ونتذمر من أوقات الانتظار غير المبرمجة سابقا، نحاول أن نقنع أنفسنا بأن لكل دقيقة أهميتها ولكل لحظة قيمتها، ولا مجال لتضييعها ولا تركها فارغة.

بينما سنكتشف بعدا آخر ومعنى جميلا للحظات تأخر من ننتظره حينما نستغرق ذلك الوقت للجلوس لأنفسنا، نحظى بالسكينة وحديث النفس والالتفاف إليها، هي أوقات جميلة لنا دون التزام مع غيرنا، هذه المناسبات على قصرها صارت نادرة جدا في زمننا ومن الانشغال، وهذا ما أبدع فيه الكاتب من خلال قصصه ومواقفه في حياته المهنية الصاخبة الفخمة.

فضلا عن أفكار كثيرة تضمنها الكتاب بين ثناياه، كالحكم على الناس من خلال وظائفهم ومصادر قوتهم مغفلين جوهرهم وما قد يخفونه من كنوز دفينة في قلوبهم وعقولهم، ولعل أبرز مثال لذلك موجات الهجرة والاغتراب من بلدان تعيش الحروب والظروف الصعبة لكفاءات نالت كل ما قد يمتلكه إنسان في مشواره الدراسي، إلا أنهم تنازلوا عن كل تلك الألقاب وعملوا في وظائف لا تعكس قدراتهم ومستواهم المعرفي، كحراس أمن على مواقف السيارات، والمراكز التجارية، وما جر ذلك من صور نمطية تجسدت في طريقة تعامل الناس معهم.

الكتاب جدير بالقراءة المتأنية والمزيد من الحفر فيه، وهي هكذا كتب التجارب الشخصية التي يروي فيها أصحابها مواقف حدثت معهم أو رويت لهم، وهم ربما يقصدون بها معاني محددة أو يريدون بها إيصال أفكار معينة، لكن القارئ النبيه الفطن هو من يستنتج امتدادات ومعاني أخرى.