قرأت ما قرأت من الكتب على قلّتها، بشكل فردي وفي حلقات جماعية، وقد حاولت في وقت ما أن أسرع، وفي وقت آخر آثرت العمق والنوعية، هضمت ما هضمت بيسر تارة وبصعوبة تارة أخرى، نقدت ورفضت بعضا منها، كما ارتحت وتبنيت الكثير مما جاء في عناوين تمت تزكيتها والتوصية بها في مختلف المنابر والمقامات.
ومن مرحلة لأخرى كنت أراكم الصفحات، أحفز نفسي بما مضى وما ينتظرني في رفوف مكتبتي، أو قائمة الملفات الإلكترونية في جهازي المحمول، وصار النهم للقراءة يشكل عندي صداعا وسباقا مع الزمن لتتبع ذلك الخيط الرفيع وتلك السلسلة الذهبية من المراجع التي يحيل إليها الكاتب في كل كتاب أفرغ منه.
الأمر أشبه بتتبع مسار خريطة للوصول إلى الصورة الشاملة لذلك التخصص، والإحاطة بتلك الفكرة، هي مهمة شاقة حقا لا تحتمل نصف الفعل، ولا تقبل بنصف المهمة، وإلا أخذت الأفكار مبتورة مجتزأة، وفي ذلك ضرر كبير في التعامل والتصرف وتحليل المواقف والأحداث من حولنا.
من الكتب ما يخرجك من دوامة السؤال، ومنها ما يزيدك غرقا وتأزما وحيرة، وليس الكتّاب بنفس الدرجة من التفوق والمهارة في التأليف، كما هو الحال مع القرّاء، دون الحديث عن المترجمة منها فذلك موضوع آخر تماما، حدثت وتحدث فيه كوارث معتبرة، وكم من ترجمة رديئة أودت بالكتاب الأصلي، بل بعضها يوصل عكس أفكار الكاتب للقارئ.
هي كتب كانت لي مفتاحا، وأزاحت عن كاهلي أثقالا كبيرة، بها اهتديت لآفاق معرفية قيمة ولا أزال، هي صدقات جارية، وعلم ينتفع به، أدعو كقارئ لها بدعوات صالحة لمؤلفيها وناشريها وكل من دلني عليها، وأجزل لهم الشكر والثناء.