اتصل بي صديقي قبل أيام يسألني إن كنت مستعدا لأشاركه تأسيس وإدارة مشروعه الجديد، كانت مكالمة قصيرة تحمل طلبا في ثوب أمر لا يحتمل الاعتذار والرفض.
اعتبارا للصداقة التي بيننا، وبما أنني ملتزم بما لدي من أعمال تبادر لذهني أن أطلب منه مهلة للتفكير.. فجلست متسائلا حائرا.. ما معيار اختيار الشريك في ريادة الأعمال؟
حسب تجربتي، ووفق ما اطلعت عليه من الكتب والنتاج المعرفي للخبراء وجدت هناك عدة معايير ومؤشرات تؤدي لتحقيق انتقاء فعال للشريك المؤسس للمشروع.
سنتناول معا 5 محاور مهمة تحوي كل منها معيارا معينا بالمزيد من الشرح والتفصيل:
1- معيار السلوك والعلاقة الشخصية:
يعتبر معيار العلاقة الشخصية مهما جدا في بداية المشروع، بما أن الكثير من التفاصيل لا تبدو واضحة بعد، والعقد النهائي والنظم الداخلية والإجراءات لازالت في طور التشكل.
أولى مراحل المشروع تتطلب شريكا يؤمن بالفكرة ويبذل جهده ويضحي في سبيلها أكثر مما يهتم بحقوقه وراحته، يركز على المعالم الكبرى أكثر مما يتعثر في التفاصيل الصغيرة.
منصب التأسيس والشراكة حظوة خاصة ليست متاحة لكل شخص تجمعنا به علاقة ودية، بل للسلوك دور أهم، لذا علينا اختيار من تتوفر فيه قيم الجدية والطموح والالتزام الذاتي والإبداع والإخلاص وغيرها مما يسهم في إنجاح العلاقة وتطويرها أكثر وأكثر.
تتشكل المشاريع الناشئة بداية بصفة عفوية، ثم تأخذ شكلها وتنضبط بالنظم والعقود.
2- معيار السمعة والكفاءة المهنية:
تحدثنا في الحلقة السابقة عن العلاقة الشخصية ودورها في ضمان انطلاقة محفزة للمشروع، إلا أنها لا تكفي وحدها مالم يتوفر في الشريك المؤسس معيار السمعة الجيدة مهنيا.
لا نعني بذلك السمعة الخلقية، وإنما الخلفية المهنية وتوفر حد أدنى مما يرشحه للقيام بدوره في المشروع على أكمل وجه، فإن كان متمكنا فهذا جيد، وإلا فنختار من تتوفر فيه الرغبة والقدرة على التحسن والتعلم.
المهام والصلاحيات تتداخل وتكتظ في بداية مشوار المشروع، لذا يعتبر لزاما على فريق العمل المؤسس الاستعداد لتقديم تضحيات كبيرة والتحلي بالمرونة الكافية لسد الثغرات وتقديم المساعدة بينهم لاكتساب المهارات والتقنيات المطلوبة.
بقدر ما تتسارع الأحداث ويأخذنا الحماس، إلا أننا مطالبون بأخذ وقت كاف قبل اختيار الشريك المؤسس لما لذلك من أهمية قصوى تؤثر في أداء المشروع ونتائجه.
3- الاتفاق والتوافق في الاهتمام والأولويات:
من عادة المشاريع الناشئة أن تبدأ بشكل مستعجل، ويتحمس صاحبها ليخوض أولى خطواته ميدانيا بعدما تبدو له بعض مؤشرات نجاح المشروع من بينها اختيار الشريك.
حمل فكرة المشروع وهمها في ذهن صاحبها لا يكون بالضرورة بنفس الدرجة عند الشريك، فالأول يدفعه شغفه، والثاني قد تغريه المصلحة، والأول تهمه الجهود ووتيرة النمو والثاني يركز على النتائج الآنية.
تتسع هوة هذا الاختلاف أكثر إذا لم يتفق الشريكان على درجة الأولوية التي يحتلها المشروع في برنامجهما اليومي، ورتبته ضمن قائمة الالتزامات الأخرى في حياتهما، لذا يجب الاتفاق على هذه النقطة بشكل حازم وواضح.
يحتاج المشروع في بداياته رعاية خاصة، ونفسا طويلا، فهو يستنزف جهد صاحبه ووقته وعواطفه بشكل قوي، هذه التضحيات تبدو ممتعة إذا تقاسمها الشريكان، بينما تصبح كابوسا عندما تعتمد على أحدهما دون الآخر.
4- الخطة الأصلية والخطة البديلة:
كلما وضعنا خططا لمشروعنا الناشئ، وتقدمنا في بعض الخطوات العملية، تملكنا شعور بالثقة في أنفسنا، وتحمسنا إلى المزيد من الإنجازات، إلا أن الأمور غالبا لا تسير وفق ما نتمنى في أذهاننا ونرسم على أوراقنا.
قد نجد الشريك المطلوب، ونباشر العمل ونتشارك معا ثقل المشروع، إلا أننا نصاب بخيبة انسحابه وقراره بالمغادرة تحت ظروف مختلفة، ومبررات عديدة، سواء كانت قاهرة مفاجئة، أو مجرد تهرب من ثقل المسؤولية أو ظهور فرصة أفضل وعرض أكثر إغراء له.
هذا الخلل لا يجب أن يتسبب في فشل المشروع وذوبان كل الشغف الذي بدأنا به، بل المطلوب هو تحضير خطط بديلة مسبقة، ووضع احتمالات ثانية وثالثة لشركاء قد نعرض عليهم فكرة الانضمام للفريق في مثل هذه الحالات.
يجب أن تبنى المشاريع على أسس متينة وقواعد صلبة من التنظيمات والعلاقات، وتبتعد عن الهشاشة والارتجال والتهور وبناء الأحلام فوق السراب.
5- تعامل بمبدأ الثقة، وفي يدك زمام الأمور:
الثقة في ريادة الأعمال قضية حساسة جدا، ونادرة إلى درجة كبيرة، رغم الكلام المعسول في بدايات المشروع، والوعود اللطيفة من الطرفين بالصبر والتحمل لكل ما قد يعترض المشروع من عقبات وصعوبات.
تتغير النفوس، وتتلون النوايا بظهور المكاسب والغنائم أو بتأخرها، وبمرور الوقت تخف وتيرة الالتزام بالوعود الشرفية من منطلق أخلاقي، بينما يعلو صوت بنود العقد التي تحكم الطرفين والتفكير في المصلحة، ويطفو للسطح شعور المن، والميل للانفصال والانطلاق من جديد وحيدا أو مع شريك جديد، ولو كانت مجرد أفكار عابرة وشعور يراود الطرفين من حين لآخر.
هنا على صاحب المشروع ألا يكون لطيفا أكثر مما ينبغي، وعليه إحكام زمام الأمور في مشروعه دون إفراط في الثقة، مما يجعل احتمال خروجه من الباب الضيق أقرب مما يتصور، ليجد نفسه حائرا خائبا خارج أسوار مشروعه الذي تعب وسهر لأجله.
بقدر ما يتمكن الشريكان من إحكام خيوط الشراكة في بداية المشروع، فإنهما سيحققان الكثير، وإلا فسيتحول أو لقاء بينهما من ذكرى جميلة إلى قرار سيء ولحظات مؤلمة حزينة.